هل تتغير قيمنا ونتغير معها بعد نهاية كابوس كورونا؟

زمن الكورونا ليس جديدا، ونحن حتما كنا نعيش نصيبا من جنونه، عزلة وغربة روحية، لكننا كنا نمني النفس ألا نقع ضحية واقع بالإكراه، يسحل أحلامنا إلى خوف مسرج على أهبة الموت والفراق، مع كثير من شوارد الشكوك في الامتحان الصعب والمريب.

الكورونا التي خلخلت جانبا غامضا ومبهما من قيمنا التي ما فتئت تنشر تعازيها المرة والمؤلمة على سطوح مآسينا، تعود هاهنا، في ظل الغيبوبة المقنعة بالفكر الجهلاني وعوارضه الجائرة والمحدقة بنا، على خلفيات إسقاطية وانتقائية، هي نفسها الحتوف اللااخلاقية التي غزت أسرنا ومدارسنا ومجتمعاتنا، وقضت على كل المكاسب القيمية والتاريخية والثقافية، التي كانت وجاء لها من كل شرور الأوبئة والسلوكيات الهدامة والمتوحشة.

لقد كانت تجربة كورونا المستجد معضلة أخلاقية وقيمية صرفة، قبل أن تكون حالة وبائية مرضية.

هي كذلك، لأنها كشفت مخزون الحقد البشري، شراهة ضميره الأخرس، قذارته المادية، وعنوان التسليع والعبودية وتأليب نظرية القطيع.

نعم، فالناظر للداء المنتشر، مدى استلابه للحياة، لأقرب المحبين، ليس كالناظم لمجرات الألفة والدم والحياة، سرعان ما تتداعى مثاليته المزيفة، وتهوي في قاع ادعائه السحيق.

ولقد كانت الصور المنقولة عبر منصات التواصل الاجتماعي، خير دليل على انكشاف رخصنا وهبوطنا المدوي.

يكفي أن تستمع للطبيب الفرنسي الذي انهار أمام مشهد استجداء أب يطلب منه لآخر مرة توديع أبنائه، قبل أن يغادر الحياة، وهو لا يستطيع إجبار المدعويين للتوديع.

أو مشهد الأم التي فارقت الدنيا، ولم يستطع منظمو الجنازة، وجلهم من إدارة المستشفى الطبي بإيطاليا إحضار أبنائها للتوديع قبل الدفن؟

ليس هناك أبلغ من صور أعادت البشرية إلى ما قبل التاريخ.

مشاهد مروعة، تعري حقيقتنا أمام أحقر فيروس مسلط علينا.

ليس هناك أبلغ من رسالة يحملها ساعي بريد لا يكاد يرى بالميكروسكوب الدقيق، ولا بالتحاليل المخبرية المعتادة.

رسالة مشفرة، تغني عن أي تأويل أو نظرية علمية. وهي تكرس انهزام كبريائنا وانقشاع غشاوة التطور والحداثة واللانهائي في علاقتنا بالسيرورة والوجود..

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يدلنا على الطريق، هو القوة الجبارة التي تخفي حقيقتنا.. ضعفنا وانصعاقنا تحت رحمة المجهول.

القوة الأبدية الأزلية التي تكتنز الرغبة القهارة في تنفيس أرواحنا وتعليقها على صقيع هذا الكون المتلاشي، حتى ينجلي الحسم في شكوكيتنا المستهترة، وانطلاء اللامعنى، اللاجدوى على عقولنا القاصرة عن فهم مدى الخوف /الموت والتحديق في القادم الخفي.

 

مصطفى غلمان