فيروس كورونا للأسف هو اليوم واقع يصول ويجول، عابر للقارات يجتاح دولها متحديا

مختبرات كبريات دول كنا إلى عهد قريب نعتقد أن بيدها حل وعقد الأدواء والدواء، إلى أن

باغث العالم بقدرته الخارقة على الانتشار السريع والفتك المريع، فلم يجد القائمون على

أمر الصحة بكل البلدان إلا النصح بالوقاية منه بالنظافة والعودة إلى التغدية الصحية ما

أمكن إلى ذلك سبيلا والحجر الصحي بلزوم البيوت، بما فيها الدول التي تستأثر أكثر

بجوائز نوبل في أدق العلوم والتخصصات.

و بدون الاستغراق في الحديث عن الجدال الذي رافق ظهوره، بين طبيعته الحيوانية من

خفافيش وغيرها، أو بفعل فاعل بصناعته في ردهات المختبرات في إطار الحرب

البيولوجية بين الكبار التي عادة ما يؤدي ثمنها الصغار، ف"لما تتصارع الفيلة كان الله في

عون العشب دكا ودرسا ورفسا"، ودون الإسهاب في تتبع التغريدات الأمريكية التي تصفه

بالفيروس الصيني، واتهام الصين المضاد لمخابرات أمريكا بالوقوف وراءه لتدمير

اقتصادها والحد من وتيرة اكتساحه. و الصراع اليوم على أشده حول من ينال قصب السبق

لإنتاج لقاح له بين الصين وأمريكا وألمانيا التي تابعنا احتجاجها متهمة أمريكا بمحاولة

إغراء علماء ألمان على بعد خطوات من إنتاجه.

ما يهمنا أكثر في هذه المقالة هو التخلف المكعب الذي نقابل به الكوارث والأوبئة مثل

جائحة كورونا هاته. مما ينبئ عن فقر مدقع في كيفية التعامل معها. يرحم الله الإمام

الشافعي لما قال:

ما أكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل

أمام حالة هستيريا التبضع التي تجتاح الأسواق هذه الأيام. سباق محموم على شراء كل

شيء وبأي ثمن كان. فالأهم لدى شريحة منا هو الظفر بأكبر قدر من المشتريات، بلهفة

و هلع تم الإقبال على الأسواق وكأن القيامة على الأبواب. لو وجدوا كيف ينقلون السوق

بأكمله إلى بيوتهم لما ترددوا لحظة في فعل ذلك. شعارهم "أنا وبعدي الطوفان".

فأين هي "تمغربيت" التي نتحدث عنها في أوقات الرخاء، ونترنح على وقع ذكرها طربا

و نلوكها بمناسبة وبغير مناسبة؟ فما علاقة ما نراه من سعي محموم للاستئثار بكل المواد

الاستهلاكية ومواد التنظيف والانفراد بها بالوطنية التي نزعم تفردنا بها عالميا؟

فهل العبرة بالأقوال، حتى إذا جَدّ الجد تذوب كل الشعارات عند أول منعطف حاسم كما

تذوب حبيبات الثلج مع بزوغ أولى خيوط أشعة الشمس، أم العبرة بالأفعال؟ وأين هو التدين

الذي نفتخر بنسبته العالية كلما صدر تقرير دولي يفيد بأننا شعب متدين؟ فهل من الدين في

شيء هذا التهافت المريع على المشتريات دون التفكير في الغير؟ فأين حالنا المتخلفة هاته

من قول نبينا عليه السلام الذي نتسابق على الصلاة عليه والتسليم بمجرد ذكر اسمه "لا

يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"؟ فأين نحن من الآيات القرآنية التي تحث على

التضامن والتآخي والإيثار، إذ تجد الواحد منا لما يذكرها الواعظ أو الخطيب يتملكه العجب

والفخر بديننا الذي يؤكد على هذه القيم، ولكن بمجرد انتعال الأحذية نترك كل شيء وراءنا

ظهريا ويصبح شعارنا "نفسي نفسي". فما الذي يتركه أحدنا لغيره لما يؤدي 25 ألف درهما

ثمنا لما اقتناه في يوم واحد، وآخر أكثر من 13 ألف درهم، و الأدهى لما نجد من بيننا من

يفاخر بتكديس البضائع والسلع في كل ركن من أركان بيته، فيصور ذلك وينشره على

رؤوس الأشهاد عبر وسائل التواصل وهو في غاية السعادة ملوحا بشارة النصر؟ فهل هناك

انحطاط قيمي أكثر من التباهي بالمقتنيات بدون اعتبار لمشاعر أكثر من خمسة ملايين

تحت عتبة الفقر بالكاد يكسبون قوت يومهم، لا قبل لهم باقتناء عشر معشار ما ينفقه هؤلاء.

علما فالبلاغات الرسمية تؤكد أن المخزون كاف لمدة تصل إلى ثمانية أشهر.



 بوسلهام عميمر