المجتمع المغربي في تفاعلاته مع مؤسساته العمومية والخاصة والمجتمع المدني والسياسي بمختلف تنظيماته، لم يترتب عنها منذ عقود إنتاج للقيمة المضافة الاقتصادية بمعدلات مقبولة، مقارنة مع البلدان النامية في العالم. لا زال هذا التفاعل غير مثمر بالشكل المطلوب، ولا يحقق مستويات المردودية الفردية والجماعية التي يمكن أن تصنف المغرب في مصاف الدول السائرة في طريق النمو. في نفس الآن، نجد شباب المغرب لا يكل ولا يمل في البحث عن الفرص لإنقاذ مستقبله، سواء عبر الهجرة بالنسبة للذين لم تسعفهم الظروف لاستكمال دراستهم بجوانبها الفكرية والعلمية والمهنية (فئة عريضة في الهرم الديموغرافي المغربي)، أو الفئة التي التصقت بمختلف الأسلاك التعليمية في التعليم الجامعي والمهني.

لقد اتضح أن الشباب المغربي، بذكوره وإناثه، وهو يتصارع مع أمواج الحياة، خلق لنفسه أوضاعا خاصة، جعلته يسلك سبلا خارج أغلفة الأعراف التقليدانية الجامدة. فمنهم من نجح في العبور إلى ضفة الدول الغربية، باحثا عن إقامة شرعية عبر الزواج والحق في الالتحاق بأسرته، أو عبر عقود عمل قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأمد، ومنهم امتهن التجارة في وطنه، ومنهم من ثابر أو يثابر للحصول على فرصة عمل في القطاعين الخاص أو العام، ومنهم من لا يزال محسوبا عن فئة المعطلين كطبقة في سن النشاط والباحثة عن العمل بدون يأس أو ملل.

المعروف في الشعب المغربي، بشباب الأمس واليوم، أنه لا يستسلم للظروف. وبمقاومته لليأس بشكل مستمر، نجح دائما في خلق وضع خاص به، جعل العلاقات ما بين الذكور والإناث تخلق أوضاعا جديدة ومتطورة ومختلفة عن المعهود، وتفرض بحكم الواقع اجتهادات وتكيفات متتالية على المستويين القانوني والثقافي. إنه المسار الجديد الذي دفع باستمرار المملكة المغربية إلى التفكير في ضمان تجاوز نقطة مفترق الطرق بنجاح، حريصة على سلك الاتجاه الصحيح المثبت للحقوق، والمحيي للأمل للتقدم في بناء المشروع المجتمعي الحداثي، اتجاه قد ينسي المغاربة ضغوطات الماضي، ويقوي أملهم في انبثاق تفاعلات قوية بينهم وبين مؤسساتهم الرسمية وغير الرسمية.

وفي هذا الصدد، تعتبر اجتهادات مدونة الأسرة وقانون الجنسية تعبيرا صريحا من المؤسسات المغربية عن حرصها وإرادتها لاحتضان أبنائها وبناتها أينما كانوا، وضمان حقوقهم في الحياة، وفي الهوية المغربية، وفي نسبهم لآبائهم وأمهاتهم، وحقهم في الدخول والخروج من/إلى وطنهم بكامل الحرية. وأنا أستحضر المعانات النفسية الكبيرة التي أثقلت كاهل فئة واسعة من أبناء هذا الوطن، وجدتني مغمورا بالأمل وأنا أفكر في التطرق لاجتهادين هامين، قدما خدمات جليلة للأطفال والشباب والكهول والشيوخ ببلادنا، الأول يتعلق في حق إسناد الجنسية المغربية بناء على البنوة سواء من أب مغربي أو أم مغربية (المادة 6 قانون الجنسية رقم 06-62)، والثاني يتعلق بحق الأب البيولوجي في إقرار بنوة أبنائه أو بناته وتمتيعهم بالانتساب إليه، وتصحيح الأوضاع المترتبة عن ضغوطات الحياة المادية في الماضي.

ومن أجل أن لا أثقل هذا المقال، ارتأيت تخصيصه للاجتهاد الأول، والمتعلق بسن حق إسناد الجنسية لكل ولادة من أم مغربية وأب أجنبي، وبأثر رجعي، على أن أعود للاجتهاد الثاني في مناسبة لاحقة. فالولادات الجديدة من أم مغربية، تسجل مباشرة تحت شرط احترام الأجل القانونية. أما الأشخاص المولودين قبل تاريخ صدور القانون الجديد المعدل، فأصبح يسيرا وسلسا تسجيلهم بسجلات الحالة المدنية المغربية، بحيث أعدت الدولة كل المساطر الواجب إتباعها لتمكينهم من الاستفادة من الانتماء إلى وطنهم بدون قيد أو شرط. لقد استجابت المؤسسات المغربية لطلبات هذه الفئة، والتي توسعت قاعدتها،

مانحة كل الاعتبار والتقدير لاستماتة مكوناتها في البحث المستمر عن لقمة العيش، وضمان الاستقرار والإقامة الشرعيين خارج الوطن. وبهذا الحق، أصبح الوطن يسع للجميع، ولا يميز بين شخص من أم مغربية أو أب مغربي، لتفتح الحدود أمام الكل للدخول والخروج والاستقرار بالتراب المغربي، والتمتع بدفء الانتماء إلى أسرهم الصغيرة والكبيرة.

خاتمة

بحكم الواقع ونضالات المتضررين أبناء وأمهات هذا البلد، وتشبثهم بوطنهم وشرف الانتماء إليه، عبرت المؤسسات المغربية عن تشبثها بالحداثة بجوانبها الحقوقية والإنسانية والاقتصادية، متحدية بذلك عدد من الخطابات التقليدانية التي كانت تنبعث من هنا وهناك في مناسبات ومنابر عدة. لقد أصبح اليوم في متناول كل الفئات الحصول على نسخ من رسوم ولادتهم من مؤسسة الحالة المدنية لوطنهم، والتي تتكون من الأشخاص المسجلين في سجلات الأجانب المؤسسة بمقتضى ظهير 4 شتنبر 1915، والأشخاص المسجلين بمقتضى القانون الجديد رقم 99-37، والأشخاص المولودين بالمغرب غير المسجلين في سجلاته، والأشخاص المولودين بالخارج والمسجلين بسجلات الحالة المدنية الأجنبية لبلد الإقامة، والأشخاص المولودين خارج المملكة الذين استقروا بصفة نهائية بالمغرب غير المسجلين بسجلاته. أما الولادات الحديثة، وكما سبق أن أشرت إلى ذلك، سواء الواقعة بالمملكة أو خارجها، فيصرح بها مباشرة لدى ضابط الحالة المدنية المختص. أكثر من ذلك، لقد أعطي لهذه الفئة من المواطنين المغاربة، الراغبة في التسجيل بأثر رجعي، الحق في اختيار الاحتفاظ بأسمائهم العائلية أو الشخصية ولو كانت أجنبية حفاظا على حقوقهم المكتسبة.



 الحسين بوخرطة