بعدما كنا نخرج إلى الفضاءات العمومية ، ونشرب قهوتنا الصباحية ،ونطلع على أخبار العالم في الصحف ،أصبحنا محتجزين في بيوتنا ،متوجسين من أن نصاب بالوباء ،متسائلين ماذا يحدث في البلاد وفي كوكبنا ،هل نحن أمام حرب كونية جديدة بطريقة أخرى أم ماذا ،وعندما كنت ألاقي أناس بحينا أو بمدينتنا، في بداية إصابة حالة أو حالتين بالمغرب ،كان هناك من يضحك من أمر الوباء، وهناك من يسخر ،وهناك من يقول إنها مؤامرة ما على كل بلدان العالم ،وفجأة توقفت الحياة بالمغرب وبمدينتنا تاونات ،لا طير يطير ولا وحش يسير ، الكل محتجز في بيته ويترقب التلفاز كم وصل البلد من حالات إصابة ،وقلما ترى رجل في زقاق الحي ذاهب بخطوات متسارعة وكأنه يتوجس من أن يصيبه الوباء من فراغ ،أما عن بيتنا أصبح لا حديث إلا عن هل هناك صابون كافٍ ،بل أصبحنا نرتب الصف كي نغسل يدينا كل مرة وفي كل وجبة وفي كل بضع دقائق أحيانا ، وتجد الناس تخاف من أن يعود عام البون من جديد أو كما يعرفه المغاربة بعام "الجوع" ، استشعرنا فعلا كم نحن مفرطين في نعم تكون لنا ولا نبالي بها ،نعمة الحياة ونعمة الأمن ونعمة الإستقرار ،ونعمة الحياة الإقتصادية ونعمة الحركة ، كما أبانت هذه الأزمة عن مدى وحشيتنا وبعدنا عن الإنسانية وأبانت أيضا عن صور القتامة والتخلف والأنانية والإنحطاط القيمي عند كثيرين من هم يعيشون بيننا،  هناك من يخرن المؤونة في بيته وكأنه تلك النملة التي قرأنا عنها في القصص ونحن أطفالا مع العلم أن النملة قرأنا عنها ليس لم تكن بها لهفة التخزين كانت تأخد فقط ما يكفيها لمواسم الشتاء والربيع وهناك من يريد أن يستغل طلب الناس على مواد ليرفع أثمانها ،ياله من مشهد قاتم لكائنات كُتب عليها أن تظل في الدرك الأسفل من الإنسانية، كما لا مست مشاهد دون توضيب لإنسان ما بعد الرأسمالية المتوحشة إنسان فارغ من المعنى ،لا أخفيكم سرا كم تعلمت ولازلت ولقد تعرفت فعلا عن من أتعايش معهم ، شعرت بقيمة الحياة و بقيمة السلم و بقيمة التعايش و بقيمة البساطة و بقيمة أن تذهب حيث تريد بلا رقابة وإستشعرت قيمة بلدنا وعظمته .

كريم باجو