المسجد مكان للعبادة تختلف الصلاة فيه عن غيره بنسبة الفضل.
وكذلك صلاة الجماعة تختلف في فضلها عن صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة حسب ماكنا ندرسه في المدرسة في المراحل الدراسية الأولى قبل فترة الأدلجة التي عمت العالم الإسلامي ، ثم أصبحت صلاة الجماعة حسب عقيدة المؤدلِجين فرضاً وبدونها يكفر الذي لا يصلي جماعة لأن العبادة تسيست وتمت أدلجة العقل ليكون المسجد والجماعة وسيلة للتجييش لخدمة مصالح الجماعات المتأسلمة التي بدأت تستغل الأحداث والحروب السياسية لتحقيق غاياتها للوصول الى مراكز السلطة والحكم.

لفت انتباهي جدال بين متحاورين حول بكاء بعض أئمة المساجد بسبب منع الصلاة في المساجد خوفاً من انتشار فيروس الكرونا.

فهناك من يقول أن البكاء نتيجة لإفتراق الإنسان عن مكان يرتبط به في تعبده لله. وهناك من يقول ولكن ما المشكلة لو كانت حياة الناس أهم من المكان مادام الانسان قادرا على التعبد لله في أي مكان؟
أليس نبي الإسلام بمن وقف يخاطب الكعبة وهي أشرف وأقدس مساجد الله بأنها لا تساوي قطرة دم إنسان؟
فكيف ستكون قيمة حياة الإنسان في دين ذلك النبي العظمي؟

لذلك فإن الدموع المصنوعة في مآقي عيونها لا تلفت انتباهي عندما تكون تعبيراً عن حالة إيمانية متكلفة بقدر ما تعيد صياغة الأسئلة في عقلي المتحفز لمعرفة الحقيقة القابعة خلف سقوط الدموع.

فالمؤمن الصادق في إيمانه يدرك أن الله عزوجل حي قيوم لا يغيب بفعل غياب المكان ، وكلما كان الرابط الإيماني قوياً بين الانسان وربه فإنه يكون أقرب الى الفرح بوجود الله في قلبه كحقيقة أكثر من أن يكون حزيناً أو خائفاً كحزن الفاقد مخلوقاً وخوف الذي لايشعر بالأمن في ظل غياب من يوفر له ذلك الأمن.
ولا يشعر الإنسان المؤمن بفقد الله نتيجة توقفه عن ارتياد مكان مهما تغيرت الأمكنة والأزمنة مادام أنه يؤمن أن الله في قلبه ، فكيف لو كان ذلك التوقف المؤقت بهدف الحفاظ على حياة الناس من ضرر وباء؟!
قد يشعر الإنسان بفقد عزيز مخلوق مجرد أن يتذكر المكان الذي تعود أن يرى ذلك الفقيد فيه ، لكنه لن يحزن على فقد مكان يعبد الله فيه لو كان إيمانه نابعا من شعور حقيقي أنه لم يفقد الله بفقد المكان ، وأن الله حق ومع المؤمن الحقيقي في كل مكان على وجه الأرص.

ولا يمكن لمؤمن حقيقي أن يختزل حقيقة الخالق عزوجل في مكان أيا تكون عظمة ذلك المكان. لأن الله سبحانه وتعالى أعظم من كل شيء ولا يمكن أن يشعر الإنسان بفقد الله وعدم الاتصال به وهو مؤمن به حق الإيمان الذي لا يساوره فيه شك .
لذلك فإن المؤدلِجين ( بكسر اللام) لا ينفكون عن استغلال كل حدث للعودة الى اللعب على مشاعر المؤدلَجون ( بفتح اللام) لجرهم كقطيع الى غايات عاطفية تبرر وسيلة الدموع بهدف إعادة العقل تحت السيطرة كي يسهل قيادته من جديد الى تلك المواقع والصياغات التي لم يعد يؤمن فيها.

وقد رأينا وشهدنا المتظاهرين من الدهماء الذين تحركهم مشاعر الدين المسيسة والمؤدلجة في بعض شوارع المدن العربية قبل سنوات الخريف العربي عندما كان يتم حشدها من قبل بعض التنظيمات الاسلاموية بدافع الدفاع عن فلسطين وترديد عبارات مثل خيبر خيبر يايهود جيش محمد سيعود.
ولم يكن الدافع الحقيقي في تلك المظاهرات إيمانا في استرجاع فلسطين بقدر ماكانت وسيلة للتحشيد واستغلال الظرف السياسي لإحراج الحاكم كيلا يمنع المظاهرة وهو المستهدف الحقيقي بهدف إضعافه وإظهاره كالذي لا يملك إرادة القائد في تلك التظاهرات التي لا يستطيع قمعها في الوقت الذي لا يستطيع اتخاذ موقف سياسي قوي نتيجة لظروفه السياسية الضعيفة ، لأن ذلك القائد ذاته إفراز طبيعي لتلك القطعان الضعيفة التي ترفض انتاجها، كأم تكره مولودها.
وعندما تغيرت الأمور ووصل أصحاب الدين المسيس الى الحكم ، أختفت فجأة تلك المظاهرات والعبارات التي تنادي بزوال العدو وعودة جيوش خيبر .
ثم تفاجأ الناس بسرعة التغير في الموقف السياسي في عقول الحاكمين المؤدلِجين الجدد ليصبح بيريز ( العدو القديم) صديقاً حميمياً تتم مراسلته وكسب وده بأعذب الرسائل من قبل الرؤساء الجدد الذين لم تكن تعني لهم فلسطين وتلك الدموع المسفوحة من أجلها سوى وسيلة لتحشيد القطعان بمجرد الوصول الى كرسي الحكم ، أكثر من أن تكون حقيقة إيمانية أو إنسانية يجب أن لا تتغير.

لم تعد الدموع سلاحاً سوى عند الشعوب التي تخادع ذاتها وتحتقر عقولها.
لأن الدموع شعور عاطفي نبيل لغسل ماتبقيه الأحزان في النفس المكلومة ، ولم تكن تبريراً أخلاقياً للبكاء من أجل التحشيد دعوة للموت أو دفاعاً عنه سوى عند من يفتقد الى قيمة أخلاقية يكون الإنسان محورها!

salam131@hotmail.com