طردنا من الشوارع والأزقة والمقاه والمساجد والكنائس والبيع والحانات وعمّرها بنفسه ورهطه، سائرا مارحا راقصا عاكفا معتمرا، لا أدري إن كان يحترم إشارات المرور أثناء جولانه في الشوارع، وما إذا كان يلقي السلام أثناء دخوله دور العبادة، وما إذا كان يترك بقشيشا عندما يحتسي مشروباته، وما إذا كان يجيد الرقص...

وصل به اللؤم إلى درجة أنه لم يبال بأعتى الجيوش العالمية وأكثرها تسليحا وعتادا، هو أكثر ديمقراطية بأن لم يميز بين عرق وآخر، وبين غني وفقير، وبين ليبرالي واشتراكي، وبين مؤمن وملحد، وبين امرأة ورجل، وبين صهيوني وفلسطيني، وبين صيني وأمريكي، وبين رئيس ومرؤوس، وبين وزير وغفير....

من علامات لؤمه أنه لم يعر اهتماما بدعوات أربعة ملايير مؤمن ولا بمادية مليار ملحد، دفع المشاهير إلى دائرة الظلمات، وأبعد الجماهير عن الملاعب وأراح العباد من صيحات الرياليين والبارصويين في المقاهي، وطرد الأطفال من الأزقة (وصلت به الوقاحة إلى هذا الحد!)...

هو ليس لئيما فقط، بل ينبغي أن يبحث له اللغويون ـ بما إنهم في عطالة ـ عن وصف يليق به حقيقة، كيف لا وهو الذي غير عاداتنا، وجعلنا لا نبارك لبعضنا البعض الجُمع، ولا نتذمر إذا لم نشرب قهوتنا، ولا نصرخ في الشوارع أو نطلق العنان لمنبهات سياراتنا، أو يقيم مدخنونا الدنيا من أجل سيجارة أو قطعة حشيش...

بكل مكر جعلنا نبحث عمّا نقوم به في بيوتنا، دفع بالرجال للتسابق من أجل غسل الأواني، بل جعل الذين يزعمون أنه لا يمكنهم الجلوس في البيوت لمدة يوم كامل أن يفعلوا ذلك بكل أريحية وكأنهم اكتشفوا شيئا مفقودا في حياتهم وفي المقابل كرِه البيتوتيون جلسة البيوت إلى درجة الندم على الأيام التي لم يستمتعوا فيها بضجيج المقاهي وغبار الشوارع...

من وقاحته أن جعلنا نتسمّر أمام أخبار القنوات العمومية، نترقب كم وصل عدد ضحاياها وكم انتصر عليه من مريض، وأين يتجه قطاره، وما جيوب مقاومته؟ دفعنا إلى تبادل المعارف حول سبل مراوغته، ومشاركة طرق صنع الأسلحة للانتصار عليه وكأننا نتبادل أفكارا حول مقاومة الأجهزة الأمنية أثناء قمع الحراكات، بسببه ماتت السياسة وارتفعت شعبية وزراء الصحة والداخلية وأصبحنا نتابع ندواتهم الصحفية وكأننا نتابع ندوات الوزير الصحاف وعلوجه على عهد صدام حسين.....

وصلت به الجرأة والدهاء، أن جعلنا نصدق أنه ابن غير شرعي لزواج مثليٍّ بين الصين وفرنسا وأن خفاشا فضح هذا الزواج! وضعنا في موقع الشفقة على أنفسنا أن صدقنا أن الصين مستعدة لخسارة ما توفره لها صادراتها من تريليونات مقابل ملايين أو حتى ملايير لقاحه، أو أن الصين ساذجة إلى درجة أن تجعل من نفسها كلبا أجربا الكل يفر منه. آه كم نحن دراويش مستعدون لاعتناق أي نظرية حتى ولو صدرت عن شخص واحد كل رأسماله أن يتحدث بفرنسية جيدة!

كم هو لئيم أن حرّض أفواهنا على أيادينا، أصبحنا نخافها أكثر مما نخاف منه وكأنها ليست منا، جعلنا نشتبه في بعضنا البعض، نحن متهمون بعلاقة حميمة معه إلى أن يثبت العكس، حرمنا من الاحتضان واللقاء، أفقدنا لذة الاستمتاع بالعطسات، هيّئنا لكي نؤمن به مباشرة بعد كل كحة وارتفاع حرارة، أفقد مطبوخاتنا لذتها من شدة استعمال مواد النظافة، غير نمط استهلاكنا، وبعثر نظام أولوياتنا، لم يترك لنا إلا النوم ومتابعة أخباره والأكل، وقد نستهلك خلال مروه أكثر من استهلاكنا قبله، إلى درجة أنه قد يسبب لنا أمراضا أخطر منه...

وصل به اللؤم إلى درجة أنني أشعر به يراقبني بينما أكتب هذه الأسطر، حتى أنني حذفت أكثر من عبارة في حقه خوفا من مقص رقيبه، أصبحت أخشى أن أضحك عندما أتوصل بنكتة حوله خوفا من أن "يهجروا لي"، أشعر أنه لن يسمح لي بنشر هذه التدوينة التي أمتدحه فيها فلبرما لم أُجد مدحه، أتصوره يقول متوعدا: أكتب ما تشاء في حقي لكني لك بالمرصاد، سأنتظر أي هفوة منك وآنذاك سأريك من أنا!

ومع ذلك.... أنت مجرد فيروس تشبه الأنظمة الاستبدادية، تستغل الجهل والفقر والأمية واللامبالاة والتهاون وقلة النظافة وضعف الاحتراز وتصحر التضامن وعدم الرغبة في التضحية ومقاومة الانتصاح... لكي تنتشر وتسود، أنت لست قويا إلا بغفلتنا وجنوننا... ألم تُطرد من عاصمتك أوهان الصينية بعد أن اكتشفوا حقيقة ضعفك وجبنك وأصبحت لاجئا متسولا باحثا عن شعوب تعطيك ما تريد!

 

عبد الرحيم العلام