بدا واضحا خلال هذه الأيام العصيبة التي تمر منها معظم بلدان العالم، بسبب تفشي وباء كورونا المستجد أو "كوفيد-19" وأمام تزايد عدد الإصابات وتساقط الأرواح هنا وهناك، أن السلطات المغربية أضحت أكثر حزما من ذي قبل، وتعمل بكامل الجدية والمسؤولية على حماية وسلامة المواطنين، حيث أنها سارعت إلى اتخاذ حزمة من التدابير الاحترازية الكفيلة باحتواء الوباء اللعين والحيلولة دون اتساع دائرة العدوى في المجتمع.

ذلك أنه مباشرة بعد ظهور أول الإصابات بفيروس كورونا في أرضنا لأشخاص قادمين من الديار الأوربية، وحرصا منها على عدم تفاقم الوضع الوبائي، بادرت إلى اتخاذ كافة الاحتياطات الوقائية اللازمة، مستفيدة في ذلك من الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها بعض الدول في تعاملها مع الوباء. حيث أنها أقدمت على مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى محاصرة الفيروس الوبائي، والتي تمثلت بالأساس في: إطلاق حملة إعلامية واسعة عبر مختلف الوسائل الإعلامية للتحسيس بمخاطر الوباء وسبل الوقاية منه، ثم لم تلبث أن شكلت لجنا خاصة بالمواكبة والمراقبة، منها لجنة قيادة تتكون من عدة متدخلين، تنحصر مهمتها في القيام بدراسة الوضعية الوبائية وطنيا وإقليميا ودوليا بصفة متواصلة، للتدخل في الوقت المناسب وكلما أتيحت لها الفرصة بذلك، وهناك أيضا لجنة اليقظة والرصد على مستوى وزارة الصحة، ولجنة علمية مكونة من خبراء متخصصين في علم الأوبئة والأمراض المعدية...

ولم يقف الأمر عند هذا الحد من الاحترازات، بل سرعان ما ارتفعت وتيرتها أمام تداعيات الوباء الخطير إلى منع ولوج الجماهير الملاعب الرياضية في مرحلة أولى، ثم إيقاف جميع الأنشطة الثقافية والبطولات الرياضية في المرحلة الثانية. تعليق الدراسة بكافة المؤسسات التعليمية وتعويض الدروس الحضورية بأخرى داخل البيوت عبر الانترنت تحت ما أطلق عليه "التعليم عن بعد"، وكذا تعليق جميع الرحلات الجوية من وإلى عدد كبير من الدول الغربية والعربية والإفريقة.

وفي الوقت الذي توالى تسجيل إصابات جديدة بالفيروس وتكاثرت مخاوف المواطنين المغاربة، أصدر ملك البلاد محمد السادس أوامره إلى الحكومة قصد التعجيل بإحداث صندوق خاص لتدبير ومواجهة الوباء، ستوفر له اعتمادات بمبلغ عشرة ملايير درهم. كما لم يفت السلطات المغربية اتخاذ قرارات أخرى من قبيل إغلاق المقاهي والمطاعم والقاعات السينمائية والمسارح وقاعات الحفلات والأندية والقاعات الرياضية والحمامات وقاعات الألعاب وملاعب القرب في وجه العموم، انطلاقا من يوم الاثنين 16 مارس 2020 إلى إشعار آخر، وإصدار المجلس العلمي الأعلى فتوى بمنع أداء الصلوات بما فيها صلاة الجمعة بالمساجد، دفعا للضرر القائم إلى حين انكشاف الغمة. وتقليص عدد الركاب في وسائل النقل العمومي من سيارات الأجرة الكبيرة والحافلات ومركبات الترامواي وفق بلاغ لوزارة الداخلية مع حرص الجماعات المحلية على تعقيمها وتطهيرها بجميع المدن المغربية...

فماذا تبقى إذن من إجراءات أخرى تساهم في الحد من انتشار العدوى ولم تقم بها السلطات المعنية؟ لا نعتقد أن اللجن التي جندت كل طاقاتها من أجل مكافحة هذه الجائحة، قد أغفلت في مخططاتها تدابير أخرى أهم وأكثر تحصينا للمواطن، تكون كفيلة بجعله في منأى من الإصابة بالفيروس اللعين، عدا أن يلتزم هو نفسه بجميع الإرشادات الطبية المعلن عنها من لدن وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية. إذ يتعين عليه وضع الثقة في الجهات الرسمية والامتثال لجميع قراراتها، باعتباره الحلقة الأساسية في عملية انتقال العدوى سريعا بين أفراد الأسرة والانتشار بين المواطنات والمواطنين.

لأجل كل ذلك بات لزاما علينا التخلص من قيود اللامبالاة والاستهتار بمسؤولياتنا تجاه كافة المحيطين بنا من إخوة وأخوات وأمهات وآباء وجيران وزملاء في العمل وغيرهم، وأن نتوخى الحيطة والحذر مما يروج له المغرضون ومنعدمو الضمير من تشكيك في صحة المعلومات الرسمية وإشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف بث الفتنة والترويع وزعزعة الأمن والاستقرار. ولا ينبغي لنا بأي حال الاكتفاء بما اتخذ من قرارات استباقية شجاعة، وإن كان بعضها مؤلما بالنسبة لمن فقدوا موارد رزقهم في المقاهي والحمامات وغيرها، لكن علينا ألا ننسى أن صحة الإنسان وحياته لا يعوضان...

وليعلم المواطن الذي يعتقد واهما أن إصابة 38 شخصا قادما من الديار الأوربية ووفاة اثنين فقط منهم ليس بالأمر الخطير الذي يدعو إلى القلق والانزعاج، أنه في ظرف أقل من شهر واحد ما بين 21 فبراير و15 مارس 2020 عرفت بعض البلدان تطورات رهيبة، حيث أن إيطاليا مثلا انتقل فيها عدد المصابين من 31 إلى 247477، وانتقل العدد في فرنسا من 18 إلى 4499 وألمانيا من 18 إلى 5785 وإسبانيا من 25 إلى 7798 وغيرها كثير، مما اضطرت معه بعضها إلى اعتماد حالة الطوارئ، مؤكدة بذلك خطورة الفيروس حيال عدم أخذ انتشاره على محمل الجد والالتزام بطرق الوقاية اللازمة منه.

إننا إذ نثمن عاليا كل ما تبذله السلطات من جهود جبارة ومعها جميع فعاليات المجتمع المدني والفصائل الرياضية وغيرها ممن يساهم في التحسيس بهذه المرحلة ومقاومة فيروس كورونا المستجد، نأمل أن يعي جميع أبناء الوطن خطورة الأزمة التي تتهدد بلادنا، وأن ننخرط جميعا في تجنيبها انعكاساتها الكارثية من خلال تقليص أنشطتنا ولزوم بيوتنا، لاسيما أن إمكانات بلادنا لا تسمح بإنقاذ حياة آلاف المواطنين إذا ما تفاقمت العدوى لا قدر الله.



اسماعيل الحلوتي