الطريقة التي يتفاعل بها الكثير من المواطنين، مع (فيروس كورونا)، ومع الأخبار المتعلقة به، تتطلب أكثر من وقفة، وتستدعي البحث في هذه الألوان من التفاعلات المشحونة، بالكثير من الهواجس والمخاوف، التي تتجاوز حدود المعقول في مجملها، والتي يعانيها الكثير من المواطنين باستمرار، كلما تعلق الأمر بحدث أو خبر يتهددهم بشكل من الأشكال، وما حدث (كورونا) إلا نموذجا للتمثيل، إذ يسهل أن نلاحظ أن جل المواطنين في بلادنا، وإلى حدود الساعة، ظلوا تحت سيطرة مخاوف وكوابيس مهولة، تحولت عند الكثيرين إلى ما يشبه (الفوبيا)، ويمكن القول إننا أصبحنا أمام مشكلتين، واحدة حقيقية وهي (الفيروس)، والثانية متوهمة، وتهم هذه المخاوف والتهويلات المرتبطة بالمرض وأخباره، ما يعني أن الأمر يتطلب بالفعل، البحث عن تفسير لهذه الصورة المؤسفة، التي تتكررمعنا باستمرار، وننقلها عن أنفسنا إلى العالم.

وفي تقديري المتواضع، يمكن إرجاع هذه الأشكال من التفاعل غير العلمي، وغير المنضبط مع الطوارئ أو الكوارث، بمختلف أنواعها، إلى عاملين اثنين أساسيين: الأول ذاتي، ويعني افتقار الكثيرين منا، إلى تربية وثقافة التعامل مع الطوارئ والأخبار المرتبطة بها، سواء من حيث التلقي، أو القدرة على الاستيعاب، ثم التفسير، وانتهاء بإنجاز التصرفات والمواقف الملائمة ، وكل نقطة من هذه النقط، تحتاج إلى مجهود تربوي كبير، والكثير من المواطنين وقعوا ضحية واحدة منها، أو كلها، فكثرة الأخبار وسيولتها، تطرح مسألة التلقي، والتلقي يتطلب القدرة على الإستيعاب والقراءة الصحيحة، ثم التمكن من امتلاك تفسير مناسب لبناء المواقف المناسبة، من الأحداث ومجرياتها، بغاية المحافظة على التوازن الذي يقتضيه السلوك البشري السوي. كل هذا لا يتأتى للكثيرين من المواطنين، إذ يلاحظ أن علاقتهم بالطوارئ وأخبارها، مفعمة بردود الأفعال والتفسيرات المتسرعة، ثم بالمواقف الخاطئة، ما يجعلهم ضحايا سهلة، لصانعي الأراجيف ومحترفي الأخبار الزائفة، وصرعى مختلف التهويلات والتهوينات، سواء بسواء. بالطبع، المؤكد أن المواطن في بلادنا، يتحمل نصيبه من المسؤولية في بناء ذاته، وتهذيب ملكاته ومواقفه، والمؤكد أيضا، أن المعنيين بتكوين هذا المواطن وتثقيفه وتأهيله الشخصي، يتحملون نصيبهم من هذه المسؤولية في هذا الباب، والإشارة هاهنا، تعني كل المؤسسات التربوية والثقافية، التي يجب أن تضطلع بأدوارها في بناء المواطن، وتهذيب قدراته وترشيدها.

العامل الثاني: الذي يؤثر ويتحكم في توجيه تصرفات المواطنين، اتجاه الطوارئ، عامل موضوعي، يتعلق بالمحيط العام، وبمجمل العناصر التي تفرض تأثيرها على المواطنة والمواطن في بلادنا، ويكفي إيراد العبارات الدارجة التالية، لمقاربة انطباعات وتصرفات الكثير من المواطنات والمواطنين، (والله ما يعقل عليك شي واحد _ عول على راسك _ ماكاينش على من تعول ...). فالمواطن في بلادنا، وبالنظر إلى تاريخ معاناته مع المؤسسات، والأوصياء على شؤونه، تكونت لديه قناعة راسخة، مفادها أنه يعيش وحده، وأن عليه أن يتدبر أموره كلها لوحده، وأن كل ما يسمعه من كلام، هو في العمق، بلا أساس حقيقي ولا يعول عليه، وينكشف زيفه عند أول اختبار، حين يجد الجد وتهجم المصائب والملمات، حيث يتحول المواطن المسكين، إلى كائن أعزل، يتدبر أموره وحده، عاريا من كل سند، أو عون حقيقي. يسهل أن نلاحظ كيف يجهد المواطنون هذه الأيام، وكيف يتعبون ويتكلفون، وكيف يريدون تأمين كل حاجياتهم بأنفسهم، وبطرقهم الخاصة. لست أدري كيف يمكن أن نتحدث عن إعادة الثقة في المؤسسات، وفي العملية السياسية، في غياب القدرة على مواجهة هذه الحقائق، وفي غياب إرادة تفسيرها، وإيجاد الحلول المناسبة لها، في أفق التوفرعلى مواطنين يعيشون مواطنتهم، ويحيون وجودهم بالفعل.

 

ابراهيم أقنسوس