يحتفل العالم يوم 08 مارس من كل سنة بحقوق النساء، وهي مناسبة تعدّ يوما للوقوف وقفة إجلال وتقدير، للمرأة صانعة الأجيال وللمرأة العاملة في مختلف قطاعات الحياة، الأرياف كما في المدن، داخل الوطن وخارجه لما قامت وما تقوم في خدمة الإنسانية.

للمرأة المغربية بصفة عامة تجذر في تراب الوطن وثقافته وحضارته العريقة، ظلت تعكس أصالة عميقة، ووفاء للأرض والقيم السامية.

فبعض النساء تميزن في عالم الأدب والفن والسياسة والاقتصاد، وأخريات في الإعلام وتدبير المقاولة والتدريس، دون أن ننسى التضحيات الجسيمة التي تبذلنها داخل البيت.

وكثيرة هي النجاحات التي حققتها كفاءات نسائية مغربية بالرغم من بعض الإكراهات، وهناك من النساء من اختارت طريق النضال الوعر والدفاع عن حقوق الإنسان. إنهن شخصيات بأوضاع ومراكز متباينة؛ لكن القاسم المشترك بينهن هو نجاحهن في مهامهن، بوصفهن فاعلات في شتى الحقول والمجالات.

ونسوق في هذه الورقة بعض الأسماء في عالم النشر والإعلام الثقافي، والإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي وغيرها من الميادين، وخصوصا ما يتعلق بالثقافة الأمازيغية.

الراحلة مريم أمزيان

تنتمي إلى الرعيل الأول من الفنانين حاملي مشعل الفن المعاصر، تجولت ريشة الفنانة الراحلة بين الصحاري والجبال الوعرة لتقدم صورة متكاملة لحياة الإنسان؛ عاداته وتقاليده ووجوه مختلفة بملامح مغربية أصيلة. قال عنها الدكتور عبد الحق المريني، في كتابه "دليل المرأة المغربية"، ص 140 الجزء 1 دار النشر المعرفة 1993 "... برزت الفنانة مريم أمزيان التي تمتاز في رسم الوجوه المغربية، كتبت عن لوحاتها "رسالة المغرب" (عدد 139-أبريل 1952) دراسة تحليلية لرسومها وفنها ..." .

حاولت الفنانة مريم مزيان إعادة تصوير المعيش المغربي في مناطقه المختلفة والمتجذرة في الأصالة المغربية، وأثثت لوحاتها الفنية بالحلي واللباس والعمارة المغربية، كما رسمت طقوس الزفاف ورقصات تفضي إلى دروب التاريخ العريق، ونقلت وبشكل لافت قصبات الأطلس والعادات والتقاليد الأمازيغية، حيث شكلت لوحاتها سفرا شيقا في ربوع المملكة.

والراحلة مريم أمزيان من مواليد قرية فرخانة سنة (1930-2009)، هاجرت في سن مبكرة إلى إسبانيا رفقة والدها المارشال أمزيان، الذي كان ضابطا في الجيش الإسباني حيث استكملت تكوينها في الميدان الفني، كما نظمت معارض في كل من المغرب وفرنسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وتونس.

تعرفت الراحلة مريم أمزيان على كبار الرسامين، فأتقنت فن الرسم والتشكيل، حتى تبوأت فيه مرتبة مهمة، واستمدت أعمالها قيمتها الجمالية من فوح الطبيعة، حيث عرفت كيف تأخذ من الطبيعة لون الطين، ومن الربيع ألوان الزهور ومن ثنائية الشمس والظل بهاء الضوء وانعكاساته، إنها أعمال فنية أبدعتها أنامل موهوبة بتقنية عالية ومتفردة.

بهذا أعطت الفنانة أمزيان للوحاتها عمقا هوياتيا يعكس مجهودا بحثيا واهتماما بالمعنى، حيث باهتمامها بالأصالة المغربية والعمق الأمازيغي الذي تنهل منه أعطت لوحاتها خصوصية جذابة.

جاء في كتاب الصحافي والأديب والناقد محمد أديب السلاوي "التشكيل المغربي بصيغة المؤنث" منشورات نقابة الأدباء والباحثين المغاربة عن هذه الفنانة المتميزة: "رسوماتها الأولى ارتبطت بالأساليب الأكاديمية، وفي محاولة لإثبات الذات والهوية الوطنية، استمدت أشكالها وألوانها ومواضيعها من بيئتها الأصلية".

وفي قراءة للدكتور محمد السرغيني لألوان وأعمال هذه الفنانة قال: "إن لوحاتها التي ينتقل فيها اللون الواحد بتدرج عبر ما يتناسل منه من ألوان أخرى، يعكس قدرتها على التحكم في الألوان، إما بالمزج الكامل وإما بالجزئي، وعلى تبسيط التعبير من حيث المعطى الصوري وتكثيفه من حيث الدلالة اللونية، ذلك أن هذا التدرج المنجز بعناية تنتظم فيه التلوينات التي تبلور الموضوعة في أوضاع مختلفة، كما تجعل الشكل مصاحبا لهذه الأوضاع".

وقال عنها الناقد والمترجم الأستاذ فريد الزاهي في أحد اللقاءات الثقافية: "يحق للتاريخ القصير للفن المغربي الحديث والمعاصر أن يتباهى بفنانة فتحت المجال لبنات جنسها لارتياد التعليم والممارسة الفنية بقوة حداثية، تركت لنا معه ريبيرتوارًا غنيًا ارتاد كل النماذج الاجتماعية. وهي خلافًا لمعاصرها حسن الكَلاوي، الذي بلور أسلوبًا فرديًا، ظلت وفية لتعليمها الكلاسيكي من غير أن تغرق فيه، مانحة لنا تجربة متعددة وغنية، تتسربل بنظرتها وحكايتها الشخصية، كما بأحلامها وعشقها للآخر".

فاطمة صديقي

كتب الأستاذ الأمريكي ستيف غراهام شهادة في حق الدكتورة فاطمة صديقي نشرت بمجلة "هارفارد" جاء فيها: "تهانينا للأستاذة الدكتورة فاطمة صديقي، التي عينها الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كوفي عنان عضوا في مجلس سياسة التنمية "الإكوسوك" بالأمم المتحدة؛ فهذا المجلس يعد قلب هذه المنظومة لتحقيق الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة - الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. حيث كانت السيدة فاطمة صديقي من بين 8 نساء عينهن الأمين العام والوحيدة من شمال إفريقيا، نظرا لإشعاعها الدولي المتميز في مجال البحث الأكاديمي والعمل الجمعوي. وتنصب اهتمامات الدكتورة صديقي على علوم اللغة والدراسات النسائية، ويعدّ تمثيلها لشمال إفريقيا في الأمم المتحدة مفخرة للمرأة المغربية. وللإشارة، فالدكتورة فاطمة صديقي تتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى العربية ولغتها الأم الأمازيغية.

ازدادت الدكتورة فاطمة صديقي بمدينة القنيطرة، من أسرة أمازيغية من بني سادن نواحي فاس، وتلقت تعليمها الابتدائي بمدينة الناظور والثانوي بمدينة وجدة، والعالي بمدينة الرباط، قبل أن تنتقل إلى بريطانيا العظمى لإعداد دبلوم الدراسات العليا (Master) ثم بعده مباشرة دكتوراه الدولة في علوم اللغات واللسانيات سنة 1982.

عملت أستاذة بثانوية جمال الدين المهياوي وعبد الرحمان بلقرشي بالدار البيضاء، ثم بجامعة سيدي محمد بن عبد الله شعبة الإنجليزية، كما درست بالأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس، وعملت أيضا أستاذة بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية.

والدكتورة فاطمة صديقي هي الرئيسة المؤسسة لمركز الدراسات والأبحاث حول المرأة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله ومديرة أول وحدة بحث وتكوين لدراسة الأجناس والدراسات النسائية بنفس الجامعة. وهي أيضا عضو سابق بالمجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وللدكتورة فاطمة صديقي العديد من الكتب الجادة التي تتناول مواضيع إنسانية وبحثية كثيرة وهي عضوة بمكتب جمعية "روح فاس" منذ سنوات التي تنظم مهرجان فاس للموسيقى الروحية الذي اكتسب شهرة عالمية، كما تدير مركز ISIS للنساء والتنمية وتشرف من خلاله على تنظيم، لقاءات دولية نصف سنوية حول النساء في البحر الأبيض المتوسط. وتتناول هذه المنتديات قضايا المرأة وطنيا وإقليميا ودوليا. وتشتغل الدكتورة فاطمة صديقي رئيسة تحرير لكل من المجلة الدولية "اللغات واللسانيات" الصادرة بالعربية والفرنسية والإنجليزية، والمجلة الدولية « «Women in Science» الصادرة بلندن عن RASIT بالإنجليزية.

كما تشغل منصب رئيسة الاتحاد الوطني للجمعيات النسائية، وألفت الدكتورة فاطمة صديقي مجموعة من الكتب بالعربية والفرنسية والإنجليزية صدرت بالمغرب وألمانيا وبفرنسا وهولاندا والولايات المتحدة الأمريكية، ومن أهمها:

- المرأة والنوع واللغة في المغرب (2003). صدر عن دار النشر العالمية BrillAcademicPublishers) (بالإنجليزية).

- المرأة والنوع في العالم العربي، مع ماركو بدران وليندا رشيدي، مجلة اللغات واللسانيات (2003)، عدد 9 . بالعربية والفرنسية والإنجليزية.

- الحركات النسائية: الأسس والتوجهات سنة 2000، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز، فاس بالعربية والفرنسية والإنجليزية.

- النحو الأمازيغي، (1997) بدار النشر L’Harmattan بفرنسا، باللغة الفرنسية.

- أنطولوجيا باللغة الإنجليزية تحت عنوان النساء يكتبن شمال إفريقيا ، ضمن إصدارات دار النشر الأمريكية الشهيرة FeministPress. بنيويورك.

-"النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" (2010) روتليدج. بريطانيا العظمى.

و"الخطابات النسائية في المغرب"، 2014 الذي صدر عن دار النشر الأمريكية “بلغراف ماكميلان”، وهو كتاب باللغة الإنجليزية.

أمينة بن الشيخ

أمينة بن الشيخ صاحبة عمود "صرخة لا بد منها" اختارت أن تسلك طريق الكتابة وتدافع بكلماتها عن الأمازيغية هوية ولغة وثقافة وحقوقا اجتماعية واقتصادية، بما أوتيت من قوة وصدق كمثيلاتها من بنات جنسها. وعلى حد قول الكاتبة كارولين بيرد في كتابها "نساء شهيرات كفاح ونجاح المرأة في ميدان العمل والإنتاج: "إن الكلمات كانت السلاح المحبب لدى النساء في كسب معركة الدخول إلى حلبة الحياة العامة، فقد كانت صناعة الكلام دائما الطريق الأفضل (...) لقد اكتشفت النساء اللاتي عملن في وظائف كانت بحكم العادة مخصصة للرجال بأنه من الممكن تحقيق نتائج أفضل من خلال الكتابة" هكذا فعلت أمينة ابن الشيخ، بإصرارها وثباتها، ما جعلها تساهم بصوت نسوي في إشعاع مكون أساسي من مكونات الثقافة الوطنية.

ولدت الصحفية أمينة بن الشيخ سنة 1965 بـ دوار ئكنان Igwnan التابع لجماعة "أملن" ناحية تافراوت بالجنوب المغربي، وهي المنطقة التي أنجبت أبرز الشخصيات الأدبية المغربية الأمازيغية، ومنهم الأديب العالمي محمد خير الدين، وكان ميلادها وسط أسرة أمازيغية وطنية ومقاومة. تخرجت من كلية الحقوق شعبة القانون الخاص بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1993. وبدأت الاشتغال في مجال الإعلام الأمازيغي المكتوب من خلال جريدة "تاسافوت" Tasafut التي كانت تصدرها منظمة تاماينوتTamaynut ، وفي الفترة نفسها نشرت لها مجموعة من القصائد الشعرية بالأمازيغية في مجلة الهوية Tamagit التي كانت تصدر من مدينة أكَادير إضافة إلى إبداعات أدبية مماثلة بجريدة "تسافوت" .

وقد دفعها تكوينها القانوني والحقوقي إلى إنجاز بحث للتخرج ذي صلة باهتمامات وانشغالات الحركة الثقافية الأمازيغية، حيث ساعدها تكوينها الأكاديمي على الاطلاع على النصوص والصكوك المعتمدة دوليا في مجال المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، وخصوصا المجال الخاص بالحقوق اللغوية والثقافية؛ وهو ما شجعها على اختيار نهج العمل المدني والإعلامي للدفاع عن الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية وطنيا ودوليا، وهكذا راكمت تجربة مهمة وجديرة بالدراسة في ميدان النضال في إطار الحركة الأمازيغية داخل الوطن وخارجه.

وبفضل عملها النضالي، انتخبت عضوا بمكتب جمعية "تامينوت" في المؤتمر الخامس سنة 1993، وفي الوقت نفسه كاتبة عامة للجمعية، ثم أعيد انتخابها مجددا سنة 1999، وفي 31 ماي 2001 أصدرت جريدة "العالم الأمازيغي" إلى جانب زوجها المناضل رشيد الراخا، الجريدة التي جاءت لتسد الفراغ الذي يشهده الإعلام الأمازيغي المكتوب، وفي 27 يونيو 2002 عينت عضوا بمجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. كما ساهمت في تشكيل "لجنة الدفاع عن الأمازيغية في التلفزيون"، وفي سنة 2007 ترأست فيستيفال "تيفاوين" أملن تافراوت.

وفي مجال الإعلام السمعي البصري، قدمت الإعلامية أمينة بن الشيخ برنامجا ثقافيا تحسيسيا على القناة الثامنة يحمل اسم "لكل الناس". وقد حظيت أمينة بن الشيخ بالعديد من الجوائز؛ من بينها الجائزة التقديرية للثقافة الأمازيغية برسم 2014، تقديرا للأعمال والجهود التي ما فتئت تبذلها في مجال النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين.

 

خديجة عزيز