"الصيد في الماء العكر" هو مثل قديم يتكرر على الألسنة عبر الزمان والمكان. الأصل في المثل هو "محاولة البعض خلق الفتن وإيقاع الخلافات بين الناس، وتجيير كل شيء لصالحهم"، فالماء العكر لا يتواجد فيه سمك وإنما ضفادع وأفاعي، ومن يصطاد فيه لا يجد ما يأكله، حيث انه مجرد إهدار للوقت وإيقاع ضرر بالأخرين.

هناك الكثير من الناس في مجتمعاتنا العربية ممن يجيدون الصيد في الماء العكر، ويتقنون اساليبه المختلفة. يتفنن هؤلاء في ممارسة أسلوب الصيد في الماء العكر، ويوجد لبعضهم قدرة على تعكير الماء نفسه للاصطياد فيه. هؤلاء يعتمدون اساليب كثيرة ليهدموا حياة اشخاص معينين وليغرسوا الفرقة والانقسام فيما بينهم، فمنهم من يعتمد على الوشاية ومنهم من يعتمد على "دق الاسافين والاوتاد" بحق اشخاص ناجحين وبعيدين عن القيام بأي تصرف غير سليم. ومما لا شك فيه أن هؤلاء يتصرفون بدوافع غير سليمة وبنوايا غير بريئة، محاولين التسلق على اكتاف الآخرين واستغلال الفرصة للحصول على مآربهم. إنهم يتقربون من هذا الطرف تارة ومن الطرف الآخر تارة أخرى، عاملين وجاهدين على تضخيم الخلاف بين الأطراف. وعندما يشاهدون بأن "المياه" تميل إلى النقاء والصفاء، يحاولون مرة أخرى العمل على تلويثها وتعكيرها. وذلك كله لإشباع غريزة الحقد والكراهية التي تتحكم بنفوسهم المريضة ومشاعرهم المشبعة بحب الأذى للغير.

يمارس هؤلاء الانتهازيون – ضعاف النفوس - الصيد في الماء العكر لتحقيق أهدافهم الخبيثة، لأن جل حياتهم تخلو من الصدق والصراحة، ولا يجرؤون على مواجهة الآخرين. وحياتهم قائمة على الكذب والانتهازية والأنانية، والسعي وراء تحقيق المصالح الذاتية مهما كلفهم الثمن. هؤلاء لا يرون من الآخرين إلا ما يحقق مصالحهم الذاتية دون النظر للعواقب الوخيمة التي قد تدمر حياة الآخرين.

الشيء الغريب وما يُثير الدهشة ان الكثير من الناس يقعون فريسة في أيدي هؤلاء الخبثاء ضعاف النفوس، فينجرفون وراء مكرهم وخدعاهم دون أن تكون لديهم القدرة على المقاومة واكتشاف حقيقتهم. فبينما تكون الأطراف المتنازعة غارقة في جو مشحون بالكراهية والضغينة التي يكنها كل طرف للطرف الآخر، نجد هؤلاء الانتهازيون يحتفلون بما حققوه من مكاسب على حساب هؤلاء الأبرياء.

ظهر مؤخرا اسلوب جديد للصيد في الماء العكر كشفه فايروس "كورونا" لدق الأسافين بين أبناء الشعب الواحد وهو "الشماتة بالمصابين بفايروس كورونا". في احدى دول الخليج العربي، أصيب بعض من مواطنيها بهذا الفايروس لأنهم كانوا في زيارة لبلد إسلامي مجاور قبل انتشار هذا الفايروس في ذلك البلد. حين تأكدت اصابتهم، تنادى من يمكن وصفهم بالمهووسين والموتورين ممن يمارسون هواية "الصيد في الماء العكر" عبر وسائل الاتصال الاجتماعي الى الشماتة والاستهزاء والضحك بالمصابين داعين الله إهلاكهم.

والبعض منهم طالب الحكومة بعدم السماح لرجوع من بقي منهم في ذلك البلد المجاور، أي انهم يطلبون من الحكومة ان تتخلى عن مواطنيها. أي إنسانية هذه؟
لا اخلاق في شماتة، فما حدث وما شاهدناه وسمعناه وقرأناه عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن ان يمت لأي دين من الأديان بصلة، ولا للخلق الإنساني او الإسلامي على الاطلاق، فمن يدعي ان له اخلاق ومبادئ في حياته لا يشمت بمصائب الآخرين أيا كانوا، بل يدعوا الله ان يفرج عنهم ويرحمهم. الشماتة خلق ذميم وسلوك شائن يدل على نفس غير سوية وقلب يكاد يخلو من الحب والمودة والعطف وحب الخير. الشماتة مجلبة للشر مفسدة للدين وعدها القرآن من اخلاق المنافقين.

ليتنا نتمسك باحترام ذواتنا ونقدرها حق قدرها، ليتنا نتخلى عن النميمة والكذب والخداع والطعن في الظهر التي لا نجني من ورائها سوى قلة الاحترام. ليتنا نتخلى عن قذف الآخرين والتشهير بهم وتلفيق الاتهامات الكاذبة والباطلة بحقهم. ليت المتصيدين في الماء العكر يستيقظون من سباتهم وتصحو ضمائرهم وترقى إنسانيتهم لكي يتخلصوا من هذا السلوك المشين، وينعموا بحياة صافية وراحة نفسية هم بحاجة ماسة إليها.

قيل قديما من "حكم نفسه حكم مملكة، وقيل أيضا "إن عيوب الناس تكتب على الماس أما فضائلهم فتكتب على الماء". ولا تستطيع أن تغير الكون من حولك ولكنك تستطيع أن تغير من نفسك نحو الأفضل، وتغير أفكارك ونظرتك للحياة، ومنها تنطلق للشعور بالسعادة الحقيقية، وتعيش حياة هنيئة.