"كريم العين" كناية عن "الأعور"، لكن أعور العين يظل أعورأ سواء قلت له "كريم العين" أم "أعور".

في العهد الديكتاتوري وبدل من محاربة الفقر أكتفوا بتسمية العوائل الفقيرة بـ"العوائل المتعففة"، حسبوا أنهم بهذا يرفعون عن الفقير فقره وذله وعاره، والفقر ذل وعار يساهم الحاكم والمحكوم في خلقه.

في أوائل الحكم الجمهوري، أبدل الزعيم مفردة "الخادم" بـ"الأمين"، لأن مفردة الخادم بإعتقادة تسيء لكرامة الإنسان، لكنه كان يُسمي نفسه "خادم الشعب"، هذا قبل أن يسمي ملك السعودية نفسه بـ"خادم الحرمين الشريفين".

السؤال هل كلمة خادم، أو خادمة مسيئة لكرامة الإنسان؟

يقول الشاعر العربي القديم:

الناس للناس من بدو ومن حضر

قوم لقوم وإن لم يشعروا خدم

أيكون الشاعر العربي القديم جداً أكثر فهما لمفردة الخدم، والخادم والخادمة من المعاصرين المتحضرين، أم إنه أكثر صراحة وأقل نفاقاً، وإحتيالا؟

وبعد أن حررتنا أميركا، أنشأت لنا عشرات آلاف منظمات المجتمع المدني، أنفقت عليها مئات ملايين الدولارات، وأجبرت الدولة العراقية بالإنفاق عليها فيما بعد، إضافة إلى إنفاقها هي.

من جملة هذه المنظمات المدنية منظمة "قصار القامة" و"ذوي البشرة الداكنة". لم يؤسسوا لمنظمة " طوال القامة " ربما لأن أغلبهم طوال القامة، ولم يؤسسوا لمنظمة "أشقر اللون أو أبيض البشرة"، ربما لأن الأبيض والأشقر يحمل إمتيازه في ذاته، وليس كذاك القصير، والداكن البشرة، كناية عن الأسود أو شديد السمرة.

إذا كان بعضنا يسخر من قصار القامة، فبعضنا يسخر من طوال القامة، يقول مثلاً: "الطول طول النخلة، والعقل عقل الصخلة (المعزة)"، أو "طويل وأهبل"، فلماذا لم يؤسسوا منظمة لطوال القامة؟

واحدة من فقرات دستور الإحتلال في نسخته الأصلية، القضاء على العبودية. تصور واضع بنود الدستور العراقي أننا نعيش في زمن الرئيس الأميركي محرر العبيد، وأن العراق الذي ينظر إليه كبلد متخلف يعيش مرحلة العبودية، وينتشر فيه العبيد وبالأخص "السود البشرة" كما كان الأمر في أميركا، وفاته أن يحرم وضع رقع في صدارة المقاهي والبارات والمطاعم تشير إلى منع الأسود، أو ذي البشرة الداكنة من دخولها.

وفي كردستان أسسوا حزب الحمير، وبدل من كلمة أخ أو رفيق، كانوا يستعملون مفردة حمار للتخاطب فيما بينهم. يقول: قل لي ياحمار. يجيبه زميله: نعم ياحمار، علماً بأن الأمر هنا لا علاقة له بالرفق بالحيوان، وإنما الأمر وما فيه جرعة زائدة من الإستحمار ليس إلا.

وإختلقوا مصطلح "ذوي الإحتياجات الخاصة" مقابل المعاق والمعاقين.

يقول البعض هذه المصطلحات (تعبيرا عن الرقي)، وإحترام كرامة الآخرين، ولا أدري هل ثمة ما يُسيء للإنسان إن كان أعوراً أو معاقاً أوقصير القامة أو أسود اللون؟!

والمطلوب في قضية المعاق ليس الرقي في مخاطبته رغم أهمية هذا، لكن المطلوب توفير العيش اللائق له، وحفظ كرامته الإنسانية، وكما هو معمول به في دول العالم التي تحترم مواطنيها.

أليس في هذا الإحتيال اللفظي ما يؤكد أن هؤلاء يستحقون منا العطف لأنهم دوننا أهمية ومقاما، هذا لأن فيه عيباً خلقياً، وذاك لقصر قامته، وهذا للون بشرته، وآخر لمهنته، وغيرهم لفقرهم الذي نحن جميعاً مسؤولين عنه.

وهل سيغير هذا الإحتيال اللفظي من الأمر شيئاً، أم أن الأمر يحتاج منا إلى تربية أكثر إنسانية في مراحل التعليم كافة، وقوانين صارمة تلزم من لا يريد إلزام نفسه بإحترام من يستحقون الإحترام باحترامهم قسراً ورغم أنفه.

لا يوجد من بين عشرات آلاف المنظمات المختلقة والمبتدعة، منظمة ضد الإحتكار أو النهب، أو سرقات البنوك المكشوفة، أو منظمات تطالب بحقوق الشعب المسلوبة، أو منظمات لإسترداد ما نهب من بلاد الرافدين، أو لمقاضاة من أجرم بحق الشعب والوطن العراقي، أو منظمات تطالب بالسيادة، أو تسعى لإستقلال البلد، أو منظمات للتنمية المستدامة، أو منظات للتكامل الاقتصادي العربي أو الإقليمي، أو لتعزيز العلاقة بين أبناء وبنات شعوب المنطقة، لا الطارئين عليها.

عشرات آلاف المنظمات مشغولة بكيفية التأثير العلمي والعملي على قناعات الناس، وكيف يمكن التأثير عليهم، وقيادتهم، ومن أجل تحررهم ينبغي أن ينسخلوا تماما عن مجتمعاتهم، وبحجة تحررهم ينبغي أن يكونوا على الضد من المجتمع المتخلف، وكلما أمعنوا في تحقير مجتمعهم تأكد تحررهم، وتطور وعيهم.

لا شيء في تأريخنا يستحق أن نفتخر به، وإذا وجد في حشايا الزمن القديم ما يمكن أن نفتخر به، فينبغي إزالة الهالة المصطنعة حوله، وينبغي أن نعيده إلى حقيقته مجرد مسخ، قاتل أو متآمر لا يعرف الرحمة.

نحن عالة على البشر، وطريقنا من أجل أن نعيش كما غيرنا تغيير جلدنا، وإرتداء جلد يفصّله غيرنا لنا، فيه تتكرس إنسانيتنا التي لم نعرف، وبهذا وحده نستحق أن نعيش في هذا العالم.

يوهمون الشباب الذين تنتقيهم سفاراتهم بأن جدلية البحث عن المعرفة تستوجب لا التشكيك فقط، وإنما الرفض الساخر لكل ما تعلموه أو علمه لهم الفاشلون.

صباح علي الشاهر