تنتشر في أوساط جنس الذكور في مؤسساتنا التعليمية – خاصة في الإعداديات والثانويات – ظاهرة سلوكية مقلقة، يمكن أن نسميها بـ"ظاهرة الفتوة أو الرجولة المزيفة"، ومن معالمها التظاهر بالقوة وغلبة الأقران، والقدرة على استمالة المراهقات، وتحدي الإدارة وعدم احترام الأطر التربوية والتعليمية، وعدم الاهتمام بالدراسة والتحصيل العلمي، مع الإغراب والغرابة في اللباس وحلاقة الرأس والتّحَلِّي بحِلِي بشع ومخيف (سلاسل غليظة – خواتم منقوشة بجماجم – أساور مسننة...)، واستعمال ألفاظ سوقية ووحشية في أي حديث أو خصام لإضفاء "هالة العظمة والجبروت" على الذات، والمجاهرة بتعاطي المخدرات أمام أقرانهم من الجنسين، والتسمي بألقاب مفزعة ومرعبة من قبيل: "واعر" و"مسخوط" و"هولاكو" و"عنترة" و"بيلدوزير" و"حلوف" و"حراقية" وغيرها من الألقاب الطنانة و"الغليظة" التي تُصَوِّر هؤلاء "الفتية" أنهم "أبطال" و"مُهمّين" و"سوبرمانات" و"مخيفين"... في محيطهم المدرسي، وحتى في مجتمع "الحومة" أو "الدرب الصغير" أو "الحي الكبير"!!

وبالتأمل في هذه الظاهرة، فإننا يمكن إرجاعها إلى جملة أسباب منها:

ــ انسحاب بعض الأسر المغربية أو جُلها من مهام التربية أو تقصيرها فيها تقصيرا فظيعا... ونؤكد هنا على مسألة التربية، لأن الأسرة هي النواة الأولى والمركز الأساس للعملية التربوية التي تتطلب الاستمرارية والمعاناة والتدريب المتواصل... ففي الأسرة يتربى الفرد على احترام الآخر سواء كان كبيرا أم صغيرا، قريبا أم بعيدا...، ويتربى أيضا على قيمة النظام، وعلى العفة والفضيلة، وعلى آداب الكلام والحوار والتواصل مع الآخرين، وعلى النظافة في المحيط العام أو الخاص، وعلى حب الخير والإيثار بدل الجشع والأنانية، وعلى الرحمة بالضعيف والمسكين... وغيرها كثير من القيم التي ينبغي أن يتعلمها الفرد داخل أسرته منذ نعومة أظافره حتى يتعود عليها ويمارسها بكل سلاسة وحب وأريحية في المجتمع.. فلو أن كل أسرة تقوم بواجباتها التربوية كاملة، أو على الأقل في حدودها الدنيا، لما رأينا هذه المظاهر المفزعة في المجتمع ولا في المؤسسات التعليمية... ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك تماما، حيث إن كثيرا من الأسر توفر الرعاية المادية لأبنائها من حيث المأكل والمشرب والملبس والترفيه وكل المتطلبات المادية إلى حد الإسراف والبذخ، أحيانا، ولكنها تهمل إهمالا شديدا جانب العناية التربوية التي تخاطب الروح والوجدان والعقل وتبني الإنسان الصالح في نفسه والمصلح في مجتمعه.

- الإعلام بمختلف أنواعه، وخاصة بعض القنوات الفضائية الغربية والعربية التي تبث بعض البرامج الخاطئة أو المسلسلات حول علاقة هذه النوعية من التلاميذ بمحيطهم التربوي في مجتمعاتهم، حيث يظهر أن التلاميذ "يتمردون" على أساتذتهم أو" يستهزئون" منهم أو "يسيئون" إليهم إساءات أخلاقية أو اجتماعية أو غيرها من المظاهر المزيفة وغير الحقيقية، لأن الواقع يؤكد أن ما يصور في تلك البرامج والأفلام إنما هي فكاهات للبسط والضحك وتزجية الوقت... أما واقع الحال فلا تجد فيه إلا الجدية والصرامة والاحترام التام للمحيط التربوي بجميع مكوناته البشرية والمادية.. ولكم أن تبحثوا عن فيديوهات التعليم الواقعية – وليس الكوميدية-في مدارس اليابان أو في الصين أو في أوربا أو حتى في الولايات المتحدة الأمريكية – التي تنعت بأنها بلد الحرية المطلقة – ولاحظوا أجواء الانضباط في قاعات الدرس والتنافس في تحصيل العلم والمعرفة، ومظاهر النظام والتعاون بين جميع العاملين في تلك المؤسسات من أطر تربوية ومدرسين وطلاب وتلاميذ...

- تبرير مثل هذه السلوكيات المنحرفة بأنها صادرة من شباب مراهق، وأنه يعيش حالة من "الطيش" وعدم "النضج العقلي"... وهو تبرير يتم ربطه قسرا بمرحلة المراهقة، أي حينما ينتقل الفرد من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الفتوة والشباب. وتُتّخذ هذه المرحلة ذريعة لتبرير كل الأخطاء والانحرافات السلوكية والهلوسات النفسية والعاطفية للمنسوبين لهذه المرحلة العمرية، والمفروض أن هذه السن – من الناحية الشرعية – هي سن البلوغ الشرعي الذي يقترن بالحِلْم والتكليف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة – (أي يسقط عنهم التكليف والمحاسبة الدينية والدنيوية) : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يحتلم – (من الحِلْم أي يُصبح مُميّزا)– (وفي رواية "حتى يَشِبّ"، وفي رواية أخرى "حتى يَكْبُر")، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق"، بمعنى أنه ينبغي لمن بلغ هذه المرحلة العمرية أن يتعلم تحمل المسؤولية الذاتية والمجتمعية عن جميع تصرفاته الشخصية، وأن يحاسب على أفعاله وأقواله في الدنيا، مادام سيحاسب عليها في الآخرة لأنه "رفع عنه القلم" ولم يعد معذورا في ارتكاب الحماقات والاسترسال في القيام بتصرفات صبيانية مستفزة...

إن هؤلاء "الفتية / الشباب"، الذين يشكلون مصدر قلق ومعاناة لأسرهم أولا، ثم للمؤسسات التعليمية ثانيا، وللمجتمع ككل، هم حالات مرضية تحتاج إلى مصاحبة نفسية واجتماعية من قبل أخصائيين متمرسين لتلقي العلاج وإعادتهم إلى حالة السَّوَاء الجَمْعي وتوسيع أفق اهتماماتهم لتكون إيجابية وبناءة وخادمة للقيم والمجتمع ومحصنة لهم من جميع السلوكيات المنحرفة أو الشاذة... لأنهم إن تركوا وما هم عليه من "وهْمِ الفتوة" و"القوة المزيفة" فإن مآلهم سيكون حتما هو إيذاء ذواتهم أولا، ثم الإساءة لمحيطهم ثانيا، ثم الهدر المدرسي ثالثا، ثم الانحراف والجريمة رابعا وخامسا، ثم الضياع والضياع التام آخرا وليس أخيرا.

 

محمد إكيج