يستند الخطاب الناجح على البنية اللغوية التي تتشكل من المستويات الأربعة: التركيبي والصرفي والصوتي والدلالي التي تشكل الوعاء الذي يحمل معنى الخطاب، والمقاصد التي يهدف إليها المتكلم، وعليه فإن الوصول إلى هذه الغاية يتطلب من المتكلم استراتيجية تمنح خطابه القدرة على تجاوز حدوده الظاهرة، ومجاله المألوف إلى خطاب أكثر عمقا وأكثر تأثيرا في المتلقي. فالبنية التركيبية القائمة على دراسة العلاقات الداخلية لوحدات اللغة ودراسة ما تحمله من معانٍ ودلالات تجعل الخطاب قادرا على التأثير في المتلقي؛ لأن المتلقي يستند إلى بنية النص الذي تحكمه القوانين النحوية حتى يصل إلى فهم النص، وفهم مقاصده، كما تعتمد بنية الخطاب اللغوية على المستوى الصوتي الذي يُعنى بالأصوات وكيفية إنتاجها عبر جهاز النطق، والوقوف على خصائصها الفيزيائية، وتأثيرها في السامع، وهكذا المستوى الصرفي الذي يكشف عن أثر الزيادة أو الحذف في المعنى، ومعرفة وظيفة الوحدات الصرفية في بنية الكلمة، ثم يأتي دور المستوى الدلالي الذي يبحث عن المعنى المتمثل في القصد والنتيجة من إنتاج الكلام، وبذلك تشتبك هذه المستويات الأربعة مع بعضها البعض لتؤدي إلى فهم اللغة، وبالتالي فهم مقاصد المتكلم التي يتضمنها الخطاب.

ويأتي دور العناصر الأخرى كلغة الجسد والإيماءات والإشارات مساعدا المتكلم لتُمثل متنفسا له في توصيل رسالته، ولا تكفي وحدها لإنتاج خطاب ناجح ومؤثر، بل هي معززات ومتطلبات ترافق الخطاب تساعد في نجاحه، وفي الجانب الآخر لا بد من وجود متلقٍ محلل يخلق مشاركة فاعلة بينه وبين المتحدث أساسها الفهم المشترك، لا الغربة والانقطاع بينهما، ومن هنا تنبع أهمية الحديث عن عناصر أخرى تسهم في نجاح الخطاب كالوقت والإحاطة بموضوع الخطاب، وعدم الاستطراد الذي يشتت المستمع.

وعلى ضوء ما سبق يُعد العنصر اللغوي أهم ركائز الخطاب الناجح؛ لأن بنية الخطاب وقوة اللغة تخلق اتصالا وتفاعلا ناجحا بين طرفي الخطاب، تُخرجُ المخاطب من أجواء الخطاب التقليدي إلى خطاب إقناعي جذاب يأتي بنتائج جديدة، ومفاجئة تؤثر في المستمع وتوجهه، وتؤثر في سلوكه؛ لأن القدرة على الخطاب والإلقاء تعتمد في الأساس على البناء اللغوي للخطاب في مستوياته السابقة، وعلى توليد الدلالات وفق نظام لغوي، يشترك فيه المرسِل والمستقبِل، مما يمنح المتكلم القدرة على توجيه الاقتناعات، وتحفيز الأفراد من خلال ما يمتلكه من براعة وقدرة على توليد الدلالات من نص محكم التنظيم والتشكيل، قائم على العلاقة بين مستويات البناء اللغوي السابقة.

والجدير بالذكر أن المقاصد أو الأهداف التي يسعى المتكلم لتحقيقها لدى السامع هي التي تفرض، أو تحدد مسار الاستراتيجية التي سيتبعها؛ إن كانت استراتيجية توجيهية، أو تلميحية، أو إقناعية، حتى تلتقي مقاصد الخطاب مع فهم المرسل إليه، وهذا يقود إلى أن بعض أنواع الخطاب مختلف ومغلق يمعن في التخفي والمراوغة، ويحمل دلالات بعيدة تتطلب قدرات تحليلية أعلى، وفهما لطبيعة العلاقات بين مستويات البناء اللغوي أكبر، من أجل كشف مقاصدها ودلالاتها للمستمع.

 

فؤاد سليمان