ليس طريق الخير صعب المسير، بل هو أقصر الأساليب للتخلص من المعضلات التي يعيشها العالم العربي والعالم الثالث عموما. وقد خرج مستشفى مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب في مصر في حفل أمس بـ 88 مليون درهم لمساعدته على تحقيق رسالته وهي تقديم العلاج المجاني لمرضى القلب. وهكذا ترسخ مبادرة صناع الأمل برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ثقافة التطوع والتبرع كأحد أرقى مظاهر الحضارة الانسانية على مدى التاريخ.

إن العبرة لا تكمن في المال وحده ولكن في ايقاظ البعد الانساني في الحياة والذي اختفى خلف ما يشهده العالم من حروب ومجاعات وأمراض، وضاع الأمل في مشاهدة بصيص نور يأتي من هنا أو هناك، وبرنامج صناعة الأمل هو المنارة في هذا العتم الذي حجب الرؤية وجعل الناس يعيشون في ضياع. إن برنامج صناع الأمل هو إنجاز عظيم يفوق الأهرامات وبرج بيزا وبرج ايفل، لأنه يهدف الى إحياء الإنسان، الذي يعطي للحياة معناها وقيمتها، فإذا كان مكسورا وضعيفا، فليس هناك أي معنى للحياة.

ولكن توجيه الفكرة الى العرب فيه معنى إضافي وبعد جديد لفكرة المبادرة، وهو منبع الهام للعرب الذين انكسرت روحهم في خضم الفوضى وسنين الضياع، فهل ستتمكن هذه المبادرة من تحقيق رسالتها؟ لقد أبدت هذه المبادرة صمودا اسطوريا، فهي تحارب أعاصير الكراهية وليس معها سلاح سوى المحبة والتكافل، وعلى الرغم من قوة الكراهية، إلا أن هذا الصمود سيؤدي يوما ما الى إحلال المحبة مكان الكراهية من خلال الصمود تحت أي ظرف، وقد بدأ المشوار ولا بد أن يصل الى غايته.

لقد قدم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قدوة للعرب، وترجم رسالته الى عمل يجذب آلاف المتابعين كل عام، ولكننا لا نرى لغاية اليوم برامج مشابهة في الدول العربية، مع أن الأمر يسير جدا إذا وجدت الإرادة، ويوجد في جميع الدول العربية أثرياء كثر ويمكن للقيادات العربية إقامة حفل سنوي على مرأى ومسمع من العالم، يهدف الى جمع التبرعات لبناء مشاريع معينة كالمستشفيات والجامعات والمدارس ومراكز الأبحاث وملاجئ الأيتام وغير ذلك، وليس هناك أجمل من تسمية المؤسسة باسم المتبرع، وهذا أفضل بكثير من تكديس الأموال وتهريبها الى الخارج فقط لكي يحمل هذا الثري لقب "ثري"، فهذا اللقب لا يعني شيئا، سوى أن هذا الثري "غول" يحتفظ بأمواله ولا يصرف جزءا منها في سبيل عمل الخير، وعندما يموت الثري، ينساه الناس، وتؤول أمواله الى الورثة لكي يستمروا بحياة الترف والبذخ ثم يموتون كما تموت سائر المخلوقات دون ترك أثر حميد خلفهم.

هناك بلدان عربية فيها أثرياء لا تحصى أموالهم ولا تعد، وهم يشاهدون الفقراء في بلادهم ولا يحركون ساكنا، وكثيرا ما تكون هذه الأموال متحصلة بطرق غير قانونية وممارسة الفساد في أبشع أشكاله، أفلا يطهرون أموالهم بمشاريع كالتي تعرضها مبادرة صناع الأمل؟ خير لهم أن يُعرفوا كفاعلي خير من أن يُعرفوا كأثرياء ثم يلفهم النسيان.

سهى الجندي