السجن عموما وسجن الأحداث خصوصا شر لا بد منه، بما أنه لا وجود لمدينة أفلاطون

الفاضلة على وجه الأرض لا غل فيها ولا حسد، يعيش كل سكانها في سلام ووئام، يسودها

النظام و الأمن والأمان، بما أن حكامها من الفلاسفة، يسوسون الرعية بالعدل والمساواة في

الحقوق و الواجبات.

فإذا كان الحديث عن أي إصلاح في ظروف عادية يطرح أكثر من سؤال عن طبيعته وعن

المسئول عن توليه وعن تكوينه ومؤهلاته و مهاراته و وسائل اشتغاله وعن برامج عمليته

الإصلاحية، فكيف إذا كان في وضع استثنائي يخص أحداثا وراء أسوار السجون، معظمهم

لم يقدروا خطورة ما اقترفوه من جرائم بسبب حداثة سنهم و ضعف تجربتهم وجهلهم،

يسهل على أباطرة الجريمة استدراجهم إلى مسرحها، من لصوصية ومخدرات و غيرها من

الجرائم الخطيرة. فلا يستفيقون إلا بعد أن يجدوا أنفسهم بين جدران السجون الباردة تأكلها

الرطوبة القاتلة.

من المعروف أن أية عملية إصلاحية ليست بالأمر الهين، فبالأحرى إصلاح هؤلاء الأحداث

و إعادة إدماجهم، يتداخل في تعقدها ما هو تعليمي بما أن جلهم يغادر كراسي المدرسة في

وقت مبكر قبل أن يتحصل الحد الأدنى مما يحصن به نفسه، مع ما هو اجتماعي بما أن

جلهم ينحدرون من أحزمة البؤس بما يغشاها من فقر مدقع و فقر متعدد الأبعاد، حيث نسبة

الطلاق جد مرتفعة، وكذا تفاقم نسبة الأطفال المتخلى و انتشار كل أنواع الشذوذ، و

المخدرات، و الأخطر التطبيع مع حياة السجون. فالأطفال على حداثة سنهم يكتسبون

رصيدا هاما بكل ما يتعلق بعالم الجريمة، من أبسطها إلى أعقدها و أبشعها كإقدام زوج على

نحر زوجته لأتفه الأسباب أو العكس، أو إقدام أم على قتل فلذات أكبادها، أو القتل تحت

تأثير السكر و حبوب الهلوسة كما نطالع يوميا على صفحات الجرائد و مواقع التواصل

الاجتماعي. فالأطفال يصبحون ويمسون على سيل عارم من قصص الإجرام يمطرق

أسماعهم، فيكبرون على حداثة سنهم رغم أنفهم. فهل من السهولة بمكان الحديث عن

إصلاحهم خلال مدد سجنهم و إعادة إدماجهم و اجتثاث الترسبات السلبية من نفوسهم، كما

ورد على لسان رئيس الحكومة في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى الإفريقي الأول

لإدارة السجون وإعادة الإدماج "إعادة إدماج السجناء ووضع نظام يساهم في الحد من

حالات العود للإجرام تشارك فيه جميع القطاعات الحكومية المعنية ضمن حدود

اختصاصها"

أتصور حال هؤلاء الأحداث لما يدخلون السجون بهذا الزخم المعرفي عن واقع الجريمة،

فيزودونه بما يتلقونه على يد غيرهم ممن سبقوهم إليها، تتفاوت درجة جرائمهم وتتنوع.

فهل يمكن تحقيق الإصلاح والإدماج في ظل ما تحدث عنه المندوب العام لإدارة السجون

وإعادة الإدماج بنفس المناسبة من إكراهات تهم الطاقة الاستيعابية للسجون وكذا مختلف

المعدات الأمنية المتاحة والقدرة التأطيرية للسجناء من طرف الموارد البشرية المتوفرة

العاملة في مجال الحراسة و الأمن؟

فلا يسعنا للوقوف على أثر هذه الإصلاحيات، سوى بتتبع نسبة الجريمة، لنتساءل ما إن

كانت في تناقص أم في تزايد؟ فكم من الأحداث من يقضي عقوبته السجنية، فيخرج عاقدا

العزم على تغيير سلوكه والاندماج في محيطه؟ وكم هم الذين يغادرون السجون وقد أدركوا

فداحة جرائمهم فقصدوا ضحاياهم ليعتذروا لهم عما صدر منهم في فترة طيش؟ أم يبرحونها

وقد حصلوا على شواهد التميز في الإجرام على أيدي مهندسيه ودكاترته، ممن خبروا

السجون و عرفوا ثغرات قانون الجريمة حق المعرفة؟

فأنى لهذه الإصلاحيات أن تحقق أهدافها في أدنى مستوياتها، بدون الحضور الفعلي للعلوم

الإجتماعية وعلم النفس بفروعه المتعددة و كذا علوم التربية والعلوم القانونية والعلوم الدينية

في شخص أساتذة أكفاء متمكنين من سرة تخصصاتهم، وليس ممن يؤدي وظيفته التي

يتقاضى عليها أجرته، فيقول كلمته ويمضي لحال سبيله، لا يهمه إن أدى مهمته الإصلاحية

أم لا.

أعتقد في غياب تكاثف جهود هذه العلوم وغيرها من انفتاح حقيقي على هؤلاء الجانحين

و محاولة سبر أغوار نفوسهم على اعتبار أن الجريمة ما هي في حقيقتها سوى تَجَلٍّ لِما

يعْتَمِل في النفس قبل الإقدام على تنفيذها. ففي غياب هذا وغيره يبقى الحديث عن الإصلاح

وإعادة الإدماج والتهذيب من باب الأماني يستحيل تحقيقه لتبقى الجريمة مستأسدة مع ما

تخلفه من هدر للميزانيات في إطار مواجهة نتائجها الاجتماعية الكارثية.



بوسلهام عميمر