حسب مجموعة من التقارير، يعد المغاربة من بين أكثر الناس غضبًا وتشاؤمًا، يصطف أحيانا إلى جانب أوغندا وتوغو والكونغو برازافيل؛ هناك ما يعادل أربعة(4) من كل عشرة (10) مغاربة ميؤوسين/ات ومتشائمين/ات. كيف للمغرب كبلد ينعم باستقراره السياسي وبأدائه المتوسطي في الاقتصاد أن ينتج مواطنا(ة) متشائما(ة) أو غاضبا(ة) أو حزينا(ة) أو قلقا(ة) أو فاقدا(ة) للثقة؟ ما الذي يجعلنا مواطنين/ات تعساء وتعيسات؟ ما الذي يعكر صفو حياتنا ويحوِّل مشاعرنا إلى مزيج من الغضب والحزن والتشاؤم؟

لست من أهل الاختصاص حتى أحلل سلوكيات الأفراد واضطراباتهم النفسية، لكن أعلم أن هناك عوامل كثيرة تأثر في سلوكية ونفسية الفرد والجماعة. ومن بين هذه العوامل، طبيعة البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية المتحكمة في العلاقات والسلوكيات المجتمعية بالمغرب. على سبيل المثال، هناك تأثير كبير بين معاناة الأسرة اليومية للحفاض على وضعيتها الاجتماعية والاقتصادية ونفسية وسلوكيات أطفالها سواء المراهق(ة) أو الشاب(ة). وكذا، انتقال قلق وتوثر المعلم(ة) إلى تلاميذه(ها)، والخ من المظاهر الاجتماعية والأزمات الاقتصادية التي تراكمت خاصة خلال العقد الأخير.

ربما سيعتبر أحد القراء أن هناك مبالغة في التقييم وابتعاد عن المنطق العلمي للتحليل بحكم أن الأسر دائمة الانشغال بمستقبل أولادها وأمانهم الاجتماعي والاقتصادي. أعتقد أن هناك جزء من الصواب في هذا التقدير، لكن الواقع الحالي يبين أن الأسرة أمست أكثر قلقا في الآونة الأخيرة بسبب تزايد سياسات اجتماعية واقتصادية جدُّ مُجحفة في حقِّها، تَركتها في مواجهة مباشرة مع ارتفاع تكاليف التعليم والصحة والسكن؛ الذي يمتص أزيد من 80% من ميزانيتها إن لم يكن أكثر.

ليس الاستقرار السياسي ما يشكل لوحده صمام الأمان للبلد، فالخطاب السياسي والممارسة السياسية هما أيضا عاملان لبعث الأمل والطمأنينة عند المواطن(ة). عندما يفقد هذا الأخير(ة) حقه(ها) في التعبير، وثقته(ها) في الأحزاب السياسية والنقابات وباقي الإطارات الجمعوية فإنه(ها) سينعكس/ستنعكس على سلوكه(ها) اليومي ومشاعره(ها) اتجاه المستقبل رغم كونه غير مرئي وغير متوقع. كما أن حالة التضخم الإعلامي التي يعيشها المواطن(ة) إثر انتشار أخبار الفساد الأخلاقي والسلوكي والمالي لمجموعة من الرموز السياسية والشخصيات العامة في غياب شبه تام للصرامة في التعامل معها ومحاسبة مرتكبيها، تؤدي حتمًا من جهة إلى تمييع المشهد الاجتماعي والسياسي العام للمغرب، ومن جهة أخرى إلى رفع منصوب عدم الثقة وتفاقم الغضب والتشاؤم لدى المواطن(ة).

أنا أيضا غاضبة وحزينة لأن في بلدي تم إهانة الموظف(ة)، والعامل(ة)، والأجير(ة)، والفلاح(ة)، والمقاول(ة)، والمحامي(ة)، والطبيب(ة، والمهندس(ة)، والأستاذ(ة)، وعامل(ة) النظافة، والمعطل(ة)، والطالب(ة)، والتلميذ(ة)، ورب(ة) البيت، والفتاة، والطفلة، والمتقدم(ة) في السن، وغيرهم/هن عندما تسن قوانين تُميِّز فيما بيننا كُلّنا على أساس السن أو الجنس أو طبيعة الوظيفة أو الانتماء الجغرافي أو الانتماء الاجتماعي، وتُعِيق إمكانية تمتعنا بنفس "مقدار" الحق في الأمن الاجتماعي والاقتصادي والحماية الاجتماعية والضمان الصحي، وحتى يكون لنا بالتالي نفس مستوى الأمن على مستقبل أطفالنا...

أنا أيضا غاضبة وحزينة لأن في بلدي تغتصب الطفولة أمام أعيننا، ويحاكم طفل/تلميذ(ة) لمجرد تدوينة على حائط أزرق ظن أنه(ها) حر(ة)، يمكنه(ها) أن يعبر/تعبر عن مشاعره(ها) بكل أريحية لأنه يبقى فضائه(ها) الذي وقعه/وقعته باسمه(ها) كمجال يبيح له(ها) التنفس الحر والتنفيس عن غضبه(ها) أو حزنه(ها) أو موقفه(ها) اتجاه قضايا متعددة وشائكة لسنا بالضرورة نحمل نفس التصور والنضج لمعالجتها. إنه فضاء يحق لنا حماية حريته حتى لا تتحول مشاعر أبنائنا وبناتنا إلى مشاعر مٌدمِّرة أو سلوك مدمِّر وعُدواني اتجاه الآخر وربّما الوطن...

أنا أيضا غاضبة وحزينة لأن في بلدي لا زال جسد المرأة عَوْرة ومِقياسٌ لمَكانتها في المجتمع؛ لازال هناك اغتيال لحق التعبير؛ وبالمقابل من تُروِّج أو يٌروّج لبيع الجسد بمختلف صوره وتمظهراته حرّ(ة) طليق(ة)، بل الأدْهى والأمرُّ أنه(ها) يجني/تجني أرباحا سهلة يكفيه(ها) –في الغالب- سوى الضغط على زر الهاتف أو الحاسوب. لست هنا بصدد محاسبته(ها) لأنها قضية متشعبة ومعقدة رافقت الإنسان منذ الأزل...

أنا أيضا غاضبة وحزينة لأن في بلدي يطلب من المرأة /الفتاة أن تكون جسدا إما بكثير من المساحيق وبمعايير ومواصفات محددة للجمال أو بغطاء يحجب كل جسدها درئا لعورتها ولسِنِّها، فتُحاكم نساء مِثلي ومِثل بناتكن/كم لأننا نملك جسداً مكملا للرجل...

أنا أيضا غاضبة وحزينة لأن برامج أحزابنا وجمعياتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا ومساجدنا وكنائسنا (والخ) لا تُربِّي أطفالنا على قيّم حقوق الإنسان والعدالة واحترام المؤسسات حتى يؤمن شبابه بأن هناك أمن ومستقبل في حُبِّهم لوطنهم، وأن السعادة الحقيقية تكمن في تعلم قيم الاختلاف والتعدد...

أنا أيضا غاضبة وحزينة لأن برامج الحكومة عاجزة عن تحقيق سعادة المغاربة والتخفيف عن معاناتهم وهمِّهم اليومي، عاجزة عن توفير الأمن لشبابها والحماية الاجتماعية والاقتصادية لكل مواطن(ة)، عاجزة أن تنتج خطابا يعيد الأمل إلى الشباب/الشابات...

أنا لست متشائمة لأني أعلم علم اليقين أننا قادرون/ات على صنع الأمل وزرع بوادر عالم يسوده العدل والحرية والكرامة الإنسانية...

التغيير يبدأ الآن، إنه نابع من قناعاتنا وما نحمله بكل صدق لوطننا وللعالم...

التغيير رسالة كل غيور(ة) على صنع غذ أفضل لأبنائنا وبناتنا...

 

عائشة العلوي