يتأكد، يوما بعد آخر، أن قطاع التعليم العمومي في بلادنا يحتاج إلى وقفة حقيقية، ويتطلب عملا نوعيا وجادا، ويقتضي الإجابة الصريحة والمباشرة عن السؤال المباشر: ماذا نريد بالتعليم العمومي في بلادنا، وماذا نريد منه تحديدا؟؟، وكلما تأخرنا في مواجهة الأسئلة الحقيقية والمباشرة كلما ازداد الأمر تعقيدا، وارتفعت كلفة الإصلاح، وتشابكت عناصره.

إن الأحداث والوقائع التي أصبحت تشهدها مؤسساتنا التعليمية في أكثر من مدينة وقرية مؤشر دال على ما يتخبط فيه هذا القطاع من ارتباك وسوء تدبير، سواء على مستوى الرؤية التي تعني الغايات والأهداف الكبرى في علاقة بالبرامج والمناهج المعتمدة أو على مستوى التنزيل الإجرائي للتعلمات وإرساء الموارد، مع كل ما يعنيه ذلك من تواصل يومي مع التلاميذ والتلميذات..

فماذا يعني أن تتحول الممارسة التربوية إلى مشاهد ووقائع مفعمة بالكثير من العنف اللفظي والمادي، في جل الاتجاهات أو كلها؟، مع ما يستتبع ذلك من حكايات ومحاكمات وتأويلات لا تنتهي، هل الأمر يتعلق بضياع الرؤية والسقوط في تيه كبير، لم نعد ندري كيف نخرج منه، على كافة المستويات والمسؤوليات؟.

يسهل أن نلاحظ أن الكثير من الأحداث والوقائع التي يشهدها قطاع التعليم، في شقه العمومي بخاصة، ويكون موضوعها رجال ونساء التعليم، أنها ما كان يجب أن تتحول إلى قضية رأي عام، وروايات تلوكها الألسن، ويخوض فيها الخائضون، لو كنا نتوفر بالفعل على رؤية تربوية واضحة، تسندها مواثيق وقوانين، تجد طريقها إلى التطبيق السليم، بشكل عادي وانسيابي، بما يحفظ للإطار التربوي مكانته الرمزية والاعتبارية، مربيا ومعلما، وبما يضع التلميذ في إطاره الذي يليق به، طالبا للعلم، راغبا في التربية.

مؤسف جدا أن تتحول الممارسة التربوية في بلادنا، في الكثير من وجوهها، إلى انشغالات مضيعة وإلى نقاشات مغلوطة، تبعدنا كثيرا عن الأسئلة الأساسية، أسئلة الإصلاح، والمخططات التي توالت على القطاع، واستغرقت زمنا ليس باليسير، واستهلكت ميزانيات ضخمة، دون تحقيق الحد الأدنى من النتائج المرجوة، ودون التوفر على تقييم علمي موضوعي لمجموع العمليات التي برمجت، والمبالغ التي تم رصدها.

لقد أثير الكثير من النقاش واللغط حول مسارات ممارستنا التربوية، وتم الترويج للكثير من المناهج والبرامج، المنقولة أو المترجمة في الغالب، مع ما يستتبع ذلك من لقاءات وتكوينات، أو ما يسمى كذلك، وفي كل مرة كانت تدور الدائرة، لتحط رحالها على الأستاذ، وتتوجه بسهام النقد إلى عمله، وتتهم مردوده، وتشكك في أدائه التربوي، فهو المسؤول في نهاية المطاف عن تنزيل مضامين كل العمليات، نظريا وتطبيقيا؛ وهو ما أثر بشكل كبير على القيمة الرمزية للأطر التربوية.. ما يعني، مرة أخرى، أننا لم نعثر بعد عن الطريق الصحيح، ولم نمتلك بعد الرؤية الواضحة والمفصلة حول أعطاب ومسارات منظومتنا التربوية، وربما أيضا، وقبل ذلك وبعده، نفتقر إلى الإرادة اللازمة، والكفيلة بمباشرة الإصلاح المطلوب، بالشكل المطلوب، فماذا نريد بتعليمنا العمومي، وإلى أين يتجه، أو نتجه به؟، وأقول التعليم العمومي، الذي يعني الغالبية العظمى من المواطنات والمواطنين، إذ المؤكد طبعا أن هناك عينات أخرى من التعليم لا يهمها سؤال الإصلاح بالمعنى الذي يتم تداوله اليوم؛ لأن أصحابها من الذوات لهم طريقهم الخاص، والخاص جدا، والمسالك أمامهم معبدة حتى النهاية؛ ما يعني أن إصلاح التعليم في بلادنا يطرح أيضا وبقوة، سؤال الدمقرطة وتكافؤ الفرص، وهذا من المداخل الأساسية والضرورية، لتدشين إصلاح حقيقي، فماذا نريد بالتعليم العمومي في بلادنا؟.

 

إبراهيم أقنسوس