من يرفع التحدي؟

المطالب والملتمسات لها ضوابطها ومواقيتها حسب الظروف والأحوال الخاصة والعامة. فالمطالبة بالملكية البرلمانية، مثلا، أو بالجهوية الموسعة جدا، أو باللاتمركز الشامل، أو بالزيادة في الأجور إلى آخره...؛ كما التماس عفو ما، أو عطاء سياسي أو ذي بعد اقتصادي، من أجل منفعة ما، تبقى من الأمور المشروعة العادية التي لم تعد تعتبر استثناء، أو ابتكارا، أو اختراعا، أو حتى شجاعة أو فكرا جديدا.

وأما اقتراح نموذج تنموي علمي في الإطار الموضوع، يعني بمراعاة ظروف جميع الجهات، الداخلية والخارجية، والحاكمة والمحكومة، فهذا ما يتطلب فكرا غير نمطي يكتفي فقط بترديد نفس الأسطوانات السياسية والأيديولوجية، التي لا تمل من إعادة نفس المطالب على مدى الأجيال المتتابعة المتلاحقة المتراكمة... هذا أيضا حق مشروع طبعا، كما أنه شيء مستحب ومطلوب، ولكن مناقشته ليست في صلب موضوعنا الآن.

طيب.

فدونما انفعال ولا نرفزة، المطلوب اليوم هو تقديم مقترح؛ بعد أن تأتت قراءة موضوعية للواقع الذي يعرف تدهورا منقطع النظير على جميع المستويات، واقع يراد اليوم معالجته بنموذج تنموي جديد.

فالقضية إذن ليست مجرد أمنيات أو تمنيات كتلك التي يرسلها الناس لبعضهم البعض مع حلول كل سنة جديدة، مثلا، لرفع معنويات المحتفلين بها من باب المجاملة..

حسنا.

كل نموذج تنموي، سواء كان متواضعا أو طموحا، يبقى طبعا مرهونا، أولا وقبل كل شيء، بموارد مالية ضرورية من أجل إنجاحه.

وبكل بساطة ووضوح، موارد المغرب معروفة.

فلنفترض أن منها ما تتقاسمه معه قوى دولية عظمى، لظروف ما، ولا بأس أن نفترض أيضا أن منها موارد تستولي عليها تلك القوى كاملة، لسبب أو لآخر، لا يهم.

فحتى لو كان الوضع كذلك، افتراضا، فهو وضع لن يتغير بمجرد عقد ندوات وحوارات، أو عن طريق التسابق في الجرأة على القول والنقد والانتقاد، أو حتى بالتحليل "المنطقي الشجاع"، لأنه وضع لا ولن يتغير حتى بفرض حرية التعبير بدون حدود، ولن يتغير حتى بإرادة الحكام في الداخل.

فإذا كان هذا تحصيل حاصل، افتراضا، فإنه، أكيدا، لن يمنع من تحقيق التنمية التي تصب في تحسين الأوضاع العامة داخل البلاد بدرجة ملموسة وعلى أرض الواقع، في مدة زمنية قصيرة نسبيا؛ فمن يستطيع رفع التحدي..؟

طيب.

قبل الشروع في عرض اقتراح نموذج التنمية الجديد والفكرة المحورية التي ستحرك عجلة النمو، يجب أولا القيام بعملية "تنظيم الأفكار" حتى لا نقترح نموذجا تنمويا مبنيا فقط على أحلام وردية مزركشة بكلمات فصيحة تسر السامعين والقارئين، ولكنها لا تغني ولا تسمن من جوع، نموذجا غير قابل للتطبيق، علما أن كل تطبيق لأي مشروع كان لا بد أن تكون كلفته المالية محددة بدقة ومتوفرة مسبقا، وإلا فما هو سوى تخلف مبين.

يجب إذن أن تتطابق الموارد المالية مع المخطط التنموي، كما يجب أن توظف تلك الموارد المتوفرة أحسن توظيف مع ضمان الالتفاف حول الفكرة المحورية التي سيعول عليها لتحريك عجلة النمو.

فالفكرة الأولى التي لا بد أن تترأس وتتصدر الأفكار المنظمة والمرتبة بدقة عالية عبارة عن سؤال لا بد من الإجابة عليه، بادئ ذي بدء، بوضوح تام وبأرقام حقيقية علمية عالمة، قبل الشروع في عرض مخطط التنمية العاجل، أو النموذج التنموي الجديد.

سيداتي سادتي، إنه السؤال الذي يتعلق بالأموال المتوفرة، أو التي يمكن التوفر عليها بسهولة و بسرعة، دونما ترويع لأية جهة من الجهات، حاكمة كانت أو محكومة، لأن من المفترض تقديم نموذج تنموي مغربي يراعي، كما تم تبيانه بإيجاز شديد أعلاه، سيكولوجية الشعب والحكام معا، لأن المطلوب تحفيز نهضة اقتصادية وليس الخوض في مطالب شاملة اتضح أن الشعب لا يريد الانخراط في دواليبها الآن، كما أنه سئم من كثرة ترديدها من لدن سياسيين، بصفة عامة، يا ما استغلوه وركبوا على معاناته من أجل مصالحهم الشخصية؛ فلسان حال الشعب يقول: "لقد ساندت الاشتراكيين بدون نتيجة، ثم ساندت الإسلاميين بدون نتيجة، والآن كفى... !"

سيداتي سادتي، إن الموارد المالية الضرورية لإنجاح النموذج التنموي المنتظر الجديد موجودة، يجب فقط توضيح كيفية الحصول عليها مع تحديد أرقامها بدقة، أولا وقبل كل شيء، حتى يتسنى طرح الاقتراح الموعود، بإذن الله، انطلاقا من فكرة محورية نأمل أن تكون نيرة. إلى اللقاء إذن أيها المثقفون الأجلاء الأكفاء النزهاء.

يتبع...

 

يونس فنيش