حتى لا نقول شهادة وفاة رأفة بها. ألا يمكن لأي متتبع للشأن المغربي أن يتساءل عن محل الأحزاب

المغربية من الإعراب بعد تشكيل لجنة النموذج التنموي الجديد من دونها، بما أن أيا منها لم يبلغ عتبة

التمكن من بلورة نموذج تنموي جديد يكون في مستوى تطلعات جلالة الملك وفي مستوى انتظارات

الشعب المغربي الذي يُقْتطع من ميزانيته لتمويلها بقصد تأطيره أولا، ثم تحمل مسؤولية شأنه ثانيا سواء

على المستوى المجالس المحلية أو على مستوى تسيير شأنه العام للنهوض به و إصلاح أعطابه المزرية

على أكثر من صعيد؟

ألم يكن الأولى لها أن تلتقط الإشارة الملكية خاصة وإنه شخصيا دعا في خطاب له بمناسبة

افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية البرلمانية العاشرة إلى الرفع من

الدعم العمومي الموجه لها مقترحا عليها بصريح العبارة أن يُخصص جزء منه لصالح

الكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير و التحليل والابتكار، لكن لا حياة لمن تنادي. إذ لم

تكن في مستوى الرهان، بسبب طغيان منطق الولاء والقرب من دائرة القرار الحزبي،

فكانت النتيجة الفشل الذريع في بلورة مشروع مجتمعي من شأنه إصلاح الأوضاع التي

تتفاقم بشكل مريع؟

ألم يكن الأجدر بها أن تتنافس في استقطاب النخب من مختلف التخصصات، بإمكانها أن تبلور نماذج

تنموية في مستوى التحديات الراهنة، حتى لا تضطر أعلى سلطة بالبلاد للمرور إلى الخطة باء بتعيين

لجنة مستقلة، روعي في تشكيلتها مختلف التخصصات المعرفية من كفاءات في القطاعين العام

والخاص، بعدما لم يجد جلالته في كل ما قدموه ما يحقق للمواطنين ما هم في أمس الحاجة إليه؟

ألم يكن فيها رجل رشيد يدعوها لتتجاوز خلافاتها الإيديولوجية الثانوية التي أوصلت البلاد

إلى ما وصلت إليه، مما من شأنه أن يسرع بتأزيم الوضع في محيط يغلي، رغم إشارات

الطمأنة التي لا يفتأ رئيس الحكومة يرسلها في كل مناسبة، و كأن الشمس يمكن حجب

أشعتها بغربال مهلهل.

ألم يكن الأليق أن تبادر الأحزاب بوضع اليد في اليد عملا بمبدأ(عشرة في عقيل) بما أنها

تدرك جيدا أن طلب نموذج تنموي جديد جِدٌّ لا هزل فيه، وأن المجال ليس مجال إنشاء

ووعود فضفاضة كتلك التي في برامجهم الانتخابية المكرورة، وخاصة الأحزاب الكبيرة

منها و المتصدرة للمشهد السياسي سواء التي تتحمل مسؤولية تسيير الشأن العام برئاسة

العدالة والتنمية أو التي في المعارضة (الأصالة و المعاصرة)، بما أن القدر الأوفى من

ميزانيات الدعم بالملايير يكون من نصيبهما سواء ما تحصل عليه سنويا من الدولة ممثلة

في وزارة الداخلية أو ما تحصل عليه خلال كل موسم انتخابي لتمويل حملاتها الانتخابية،

فَلِمَ لم تبادر على شكل تكتلات لبلورة مشروع تنموي يكون في مستوى التطلعات إنقاذا لماء

وجهها خاصة وانتخابات 2021 على الأبواب. فبأي وجه ستعود عند المواطن و على

جبينها شهادة الرسوب مكتوبة بالبنط العريض في الامتحان التنموي؟ فهل هناك عاقل من

المواطنين يراهن على الحصان الخاسر، اللهم إلا إذا كان فاقدا لعقله ليس له مثقال ذرة من

فكر؟

أليس من المنطقي والحال هاته على إثر هذا الفشل المدوي، أن يُراجَعوا في الميزانيات

 التي يأخذونها من مال الشعب العام بما أنها عجزت مجتمعة عن بلورة نموذج تنموي من

 شأنه أن يوقف النزيف الذي تعرفه القطاعات الحساسة من صحة وتعليم و شغل و فساد

إداري وغيرها؟

بعد إذن الراحل غسان كنفاني نسائل أحزابنا بعنوان عمله الروائي الثاني"ما تبقى لكم".

فكيف ستعود عند المواطن لتكسب وده و تنال صوته. فما الذي سيتغير والانتخابات على

 الأبواب؟ ألم تكن مناسبة هذا الفشل كافية لتحدث رجات داخل هيئات تسيير هذه الأحزاب،

 فتتزحزح زعامتها قليلا، لتفسح المجال أمام الكفاءات وتمكينها من أدوات الاشتغال اللازمة،

حتى إذا كانت دعوات مستقبلية تكون في الموعد ولا تخلفه؟



بوسلهام عميمر