اقتراح نموذج تنموي جديد عاجل يعني ابتكار حلول اقتصادية جديدة عملية مناسبة، قابلة للتنفيذ ومضمونة النتائج، لخلق الثروة وتوزيعها بطريقة ذكية، وإنقاذ الطبقة المتوسطة من الفقر الذي أضحى يزحف نحوها بخطى ثابتة تهدد بالشلل الاقتصادي العام والأزمة الاجتماعية التامة، ومن أجل انتشال الطبقة المسحوقة من الفقر المدقع.

وبطبيعة الحال، لا دخل للعامل السياسي أو الأيديولوجي في نموذج التنمية المأمول لأن هذا الأخير يندرج في إطار "عملية إنقاذ عاجلة ومستعجلة"، كما أنه ليس "مشروع عقد اجتماعي جديد". فالأحزاب السياسية التي تقبل بالعمل من داخل المؤسسات وتتذرع مع ذلك بضرورة تغيير نظام تدبير الشأن السياسي العام، من أجل التملص من مسؤولية تقديم نماذجها التنموية، ما هي سوى أحزاب تحاول إخفاء افتقارها لأطر قادرة على التفكير والإبداع.

وأما التجمعات أو الجمعيات المدنية الأخرى، بما فيها تلك التي لم تقبل بعد العمل من داخل المؤسسات، فعدم المساعدة في هذا الصدد قد يندرج إما في إطار ضعف معرفي أو في إطار أنانية جماعية خاصة محددة أو محدودة؛ ذلك أن، بالرغم من كون العملية صعبة، لا يحق لأحد إخفاء العلم ولو كان في صالح الغير فقط وليس مباشرة في صالح الذات أو النفس.

بقي إذن وحدهم المثقفون العضويون، والمتخصصون، والموضوعيون، والوطنيون، والمستقلون الإنسانيون، من خارج اللجنة المعينة المكلفة بإنشاء النموذج التنموي الجديد، من يستطيعون، كل حسب قدرته و معرفته وإمكانياته، تقديم يد المساعدة للجنة المعينة المكلفة المذكورة، في سبيل الوطن... من أجل الطبقة المتوسطة... من أجل الفقراء..

طيب.

بلغ إلى العلم أن المدة الزمنية المحددة لتقديم اقتراح النموذج التنموي الجديد ستة أشهر. وقت أكثر من كافي بالنسبة لكل مثقف يحب وطنه المغرب، شريطة تفرغه لهذا الأمر، إن استطاع انتشال نفسه من أعبائه و مشاكله اليومية التي قد تذهب بتركيزه بعيدا عن الشأن العام.

هذه فرصة المثقفين المغاربة ليثبتوا أنهم قادرون على رفع تحدي التنمية، حسب المعطيات السياسية و المجتمعية الراهنة، و ليثبتوا أنهم أصحاب المهمات الصعبة "المستحيلة"، وأصحاب الذكاء الثاقب والفكر النقي الصافي النافذ الذي يخرج من التخلف التقدم.

إن الظرف الآن لا يسمح بأن يقول كل من كان في رصيده مساهمات قيمة في علوم الاقتصاد والمالية والتجارة والسياسة وغيرها، في قرارة نفسه، بأن من أراد المعرفة ما عليه سوى قراءة كتبه أو كتب غيره...

لا! إننا في حاجة لمن يستطيع، من بين المثقفين الحقيقيين، تقديم الملخص العلمي الموجز المفيد الواضح المبسط الشامل الذي يترك "الأحلام الأفلاطونية"، وكل الأيديولوجيات والتعريفات، المعروفة منها والمتجاوزة، أو المبتكرة المخترعة حديثا -إن وجدت-، جانبا، والتركيز على ما يجب وما يمكن فعلا وحقيقة فعله، حسب الظروف الحالية والأحوال العامة والخاصة، وحسب سيكولوجية الشعب والحكام معا، صوب تحقيق التنمية. إنها ليست مهمة مستحيلة شريطة الإيمان بالقدرة على تحقيقها.

سيداتي سادتي، إننا فقط في حاجة إلى فكرة نيرة.

فلو اعتبر المثقفون العضويون، و المتخصصون، والموضوعيون، والمستقلون الإنسانيون، بأن صناعة نموذج تنموي جديد مشروع وطني يحتاج بشدة إليهم، رغم الحيف، ونكران الجميل، وانعدام ثقافة الاعتراف بالمجهود وبالمنتوج الثقافي والفكري المستقل الوطني المحض، ورغم التهميش الذي يطال بعضهم أو جلهم، فلا شك أن النموذج التنموي الجديد سيكون مآله النجاح الأكيد.

جميعنا ربما -تقريبا- نعلم أن لا أمل في الأحزاب السياسية الحالية -و معذرة على الصراحة-، فلا داعي للشرح أو لإعادة الشرح والتفسير في هذا الموضوع، فليترك المثقفون الحقيقيون الأحزاب لشأنهم، ولينهمك كل مثقف حقيقي، حسب قدرته و إمكانياته، في التفكير في نموذج تنموي علمي ينقذ المغرب والمغاربة من التدهور والفقر والهوان.

دراسة موجزة للقائمة. تحليل وظيفي. تحليل علمي... ثم الخروج باقتراح قابل للتطبيق من أجل تنمية أكيدة حسب جدول زمني دقيق. مهمة صعبة. صحيح. ولكنها ليست أبدا مهمة مستحيلة شريطة التفرغ لها من جهة، وإرغام النفس على ترك كل الخلافات جانبا من جهة أخرى.

يتبع...

 

يونس فنيش