لاحظت من خلال احتكاكي بأسئلة الكثير من مريضات سرطان الثدي وقريباتهن من اخوات وبنات ،ان المعلومات حول دور الوراثة في نشوء هذا السرطان شحيحة و مشوشة جدا في اذهان النساء وحتى اقربائهم من الرجال.فسرطان الثدي لكونه يمس الهوية الأنثوية والجنسية للمراة ، يتصدر دائما سرطانات المرأة من حيث الشهرة .و كذلك من حيث الشراسة والانتشار المخيف الذي يصل الى امراة واحدة من كل تسع نساء . وبالتالي فهو محط كثير من الهواجس والمخاوف التي تكون احيانا معقولة و احيانا اخرى غير معقولة.ومن ضمنها هاجس مساهمة الجينات الوراثية في انتقاله بين الأجيال .

كلنا يعرف ولو من خلال الاخبار المتناقلة بين الناس فقط  ،ان هناك عائلات منكوبة بهذا السرطان تزيد فيها الاصابة عن ما يحدث داخل المجتمع .ولذلك فالكل متفق مبدئيا ان الوراثة متورطة بشكل او بأخر في نشوء هذا المرض.

ولذلك يطرح دائما السؤال القلق داخل العائلة التي تظهر فيها احدى الحالات : هل هذا السرطان وراثي؟.هل سينتقل الى الأخوات و بنات العائلة في المستقبل ؟ ثم لا يلبث ان يكبر و يصبح اكثر إلحاحا ومشروعية حين تظهر في العائلة الحالة الثانية ثم الثالثة فالرابعة...الخ مما يخلق ما نصطلح عليه داخل هذه العائلة برهاب السرطان وهي حالة نفسية تفيد توقع الاصابة المؤكدة بسرطان الثدي . 

هذا الارتياب في العامل الوراثي ينجم عنه خطئان في السلوك الوقائي للنساء .وذلك بشكلين مختلفين . فبعض النساء تهملن إجراء الفحص الاشعاعي الدوري كل سنتين بدعوى ان الاسرة خالية من اية حالة .فتعتقدن انهن بمأمن .وهذا غير صحيح فهن معرضات لنسبة الاصابة العادية داخل المجتمع والتي اصبحت تناهز 9 نساء من كل مائة امرأة. وهذه لوحدها نسبة مرتفعة .

وهناك في الضفة الأخرى من تصاب بهلع كبير ووسواس مرضي بان لانجاة لها من سرطان الثدي ، لان هناك عدة حالات بالعائلة، فتظن ان الدور سيكون قريبا عليها، والمسألة مسالة وقت فقط ، وتظل تترقب المرض كل يوم ،فتمرض قبل ان تمرض .وهذا ايضا سلوك خاطئ جدا . فحتى لو كان السرطان وراثيا داخل العائلة بسبب وجود الطفرات الجينية، فالاصابة ليست اوتوماتيكية اوآلية، ولو كانت المرأة حاملة للجين المورث للسرطان .في هذه الحالة تكون احتمالية الإصابة مرتفعة عن باقي افراد المجتمع تكاد تناهز 80 في المائة في بعض الأحيان ولكنها ليست حتمية .

لتوضيح الأمر أكثر سنفترض ان هناك مأئة حالة سرطان ثدي بين يدينا، حيث سنجد انها ستتوزع على الشكل الآتي :

10 حالات هي التي ستكون عبارة عن حالات وراثية اي اننا نرصد فيها جينا مورثا للسرطان داخل العائلة مسؤول عن تجوله بين الأجيال .وهذا مايسمى سرطان الثدي الوراثي. 

-30 حالة هي حالات تستهدف عائلات بعينها ،ولكننا رغم ذلك لانرصد جينا مورثا للسرطان يمكن تحميله وزر هذه الاصابات.فنتحدث عن سرطان الثدي العائلي .بمعنى آخر ان هذه العائلات لها ميل غير مفهوم للاصابة بهذاالسرطان

-60حالة هي عبارة عن حالات فردية ناجمة عن عدة عوامل اخرى غير العامل الوراثي ، او عن ضربة سوء الحظ فقط.وحتى عندما تظهر عدة حالات داخل العائلة الواحدة ، فذلك تفسيره ان سرطان الثدي شائع جدا و قد يحدث احيانا ان تصاب به عدة نساء من نفس العائلة دون ان يكون هناك دور للوراثة.

الان تطورت معارفنا كثيرا في فهم الميكانيزمات الوراثية لسرطان الثدي .واصبح هناك مختصون في فك شفرة وراثة سرطان الثدي قادرون على اسداء النصح للمرشحين وراثيا للاصابة به.

ولكن بداية متى نشك اننا بإزاء واحدة من عشر الحالات التي يقول الطب انها وراثية في سرطان الثدي؟.

هناك عدة مواقف ينتبه امامها الطبيب الى امكانية وجود جين مورث او طفرة جينية ضارة مسؤولة عن استفحال السرطان داخل عائلة معينة يمكن تقسيمها الى :

عوامل عائلية :

-اصابة 2 او 3 اقرباء من الدرجة الاولى بسرطان الثدي سواء من جهة الام او من جهة الاب وتأخذ بعين الاعتبار كذلك حالات الذكور، بل وتحسب اصابة الرجل بإصابتين.

-اصابة الام والاخت معا بهذا السرطان قبل سن اليأس.

-ان يكون احد افراد العائلة قد عرف عنه انه حامل للجين المورث لسرطان الثدي

- ان تكون هناك حالات شائعة لسرطان المبيض داخل العائلة خصوصا تلك المترافقة مع سرطان الثدي لانها كما سنري ينجمان عن نفس العامل الوراثي 

عوامل ذاتية؛

.ان تصاب المراة بسرطان الثدي قبل سن 35 سنة .تلك اشارة لتورط الوراثة فالوراثة تعجل بالسرطان 

.الاصابة ببعض الانواع التشريحية لسرطان الثدي ك cancer medulaire او السرطان الثلاثي السلبيي 

-عندما يكون المريض بسرطان الثدي رجلا.فهذا برهان مهم حول مسؤولية الوراثة.لان الاصابة عند الرجال نادرة وتناهز فقط 1 من كل مائة اصابة ،فبسبب ان كتلة الثدي عند المرأة اكبر كثيرا من كتلة الثدي عند الرجل مما يرفع الاصابة عند المرأة اكثر ولو كان كل منهما يحمل الجين المورث.ولذلك فظهور السرطان لدى الذكر دليل قوي على شبهة الوراثة لهذا السرطان داخل العائلة.

-ظهور السرطان لدى المرأة بكلا الثديين الايمن والايسر، إما بشكل متزامن او متلاحق.

ظهور عدة بؤر اولية لسرطان الثدي في ثدي واحد في نفس الوقت او بشكل متوالي .

ان تعدد الاصابات لدى المراة الواحدة وحدوثها بشكل مبكر قبل سن اليأس ووجود حالات قريبة داخل العائلة يدل على ان هناك عاملا كامنا محفزا لنشو ء السرطان عند هذه المرأة يكون في الغالب الطفرة الجينية المورثة التي تنتشر لدى بعض نساء ذكور العائلة .

فمامعنى الطفرة المورثة ؟ وكيف تفعل فعلها؟؟.

منذ 25 سنة تقريبا تم اكتشاف طفرات لدى جينين تم اتبارها مسؤولة عن حالات لتاريخ مرضي عائلي لسرطان الثدي وسرطان المبيض معا:يسمى الجينان؛

جين BRCA1 ويوجد فوق الصبغي 17

جين BRCA2 ويوجد فوق الصبغي 13

ان دور هذين الجينين والموجودين لدى كل البشر في الحالات العادية هو اتلاف وتنحية الاورام واصلاح بعض الكسور والأعطاب التي تصيب الحمض النووي وبالتالي فلهما دور مضاد للسرطان .

ولكن عندما يكون هذان الجينين معتلين حاملان كلاهما او واحد منهما لبعض الاختلالات وهو مايسمى بالطفرة الضارة يتحول دورهما الى النقيض ،اي الى اضعاف الجهاز المناعي للانسان المضاد للأورام.

ولكن كيف تحدث هذه الطفرة؟ لفهم ذلك ينبغي ان نتذكر ان الحمض النووي هو مجموع الجينات. وان الجين هوعبارة عن تسلسل معين ومضبوط لحروف يمكن قراءتها من طرف العلماء .وبالتالي تكون الطفرة هي وقوع خلط في ترتيب هذه الحروف. بمعنى ان الطفرة هي عبارة عن خطأ املائي طرا في الجين.

هذه العائلات تتناقل فيما بينها هذه الطفرة المريضة المورثة للسرطان في حالة ماذا كانت بعض افرادها حاملين لها. ولكن كيف تنتقل هذه الطفرة عبر الاجيال؟؟. اولا يجب ان نستوعب ان هذه الطفرة هي طفرة غالبة او مهيمنة حسب القوانين الوراثية لمندل .بمعنى انه يكفي ان تكون حاضرة على مستوى صبغي واحد لكي تفصح عن نفسها وتتسبب في نشوء سرطان الثدي او المبيض .ثم علينا لمزيد من الفهم اذن ان نفترض ان هناك شخصا ذكرا او انثى سليم او مريض حامل للطفرة الضارة.هذا الشخص يتوفر على صبغي سليم وصبغي حامل للطفرة المورثة سواء بالنسبة للجينBRCA1 اوBRCA2 .وبما ان الاب او الام لا يساهم الا بنصف المادة الوراثية عند تخصيب البو يضة ووقوع الحمل .فان الجنين لا يرث الا صبغيا وحدا من الصبغيين اي ان نسبة الاصابة هي 50 في المائة.بمعنى ان زصف الاطفال للشخص الحامل للطفرة هم من سيرثونها عموما عنه.اي انهم المرشحون للاصابة بسرطان الثدي.

ان حمل الطفرة يعني فقط اننا امام قابلية للاصابة بسان الثدي اي ان هناك استعدادا وتأهبا وراثيا للتعرض لهذا السرطان.

ولذلك فمعرفتنا بوجود هذه الطفرة يمكن من تطوير توقعاتنا لافراد العاىلة وبجعلنا نفهم لماذا اصيبت هذه المراة المسكينة الماثلة امامنا بسرطان الثدي مبكرا او في كلا الثديين ثم هي ايضا ناقوس خطر لسيدات العاىلة وحتى لذكورها بان هناك جينا ملغوما بالعائلة سيفاجئهم من حين لاخر لدى افراد منهم وبالتالي تكون هناك فرصة لتقديم الدعم والعون والمعلومات ووضع مطة اكثر حذرا لرصد السرطان داخل هذه العائلات.

لناخذ مثلا المعطيات الاتية من فرنسا مادامت قد سبقتنا كثيرا في هذا المجال هناك يتم تشخيص 34000 حالة سرطان ثدي في السنة يكون من بينها 3400 حالة سرطان وراثي للثدي (عشر الحالات). وتسجل 3200 حالة سرطان مبيض يكون من بينها 320 حالة وراثة للسرطان .وهو مايعني وجود 340000 من الفرنسيات والفرنسيين الحاملين لهذه الطفرة الضارة التي تسبب على السواء سرطان الثدي والمبيض.

في فرنسا تم لحدود الان رصد 718 طفرة ضارة او خطأ إملائي بالنسبة للجينBRCA1 من خلال دراسة 3895 عائلة و724 طفرة بالنسبة للجين BRCA2 من خلال دراسة 2575 عائلة. 

ومن الواضح أن معرفة الطفرة الضارة في عائلة معينة يفيد في تركيز الاختبار الجيني عند افراد تلك العائلة حول تلك الطفرة .

ان الطفرات التي ذكرت هي خاصة بالشعب الفرنسي قد تختلف الطفرات من شعب لاخر لكن في الدول الساىرة في طريق النمو ومن ضمنها المغرب وبعض الدول العربية يتعين تشجيع البحث العلمي للخلوص الى تحديد الطفرات الخاصة بكل شعب على حدة .وفي انتظار ذلك تضطر الكثير من المختبرات الى الاهتداء بالطفرات المرصودة ببلاد الغرب او ارسال التحاليل الى هناك.

ولكن كيف يتم تحديد هذه الطفرة من خلال الاختبار الجيني ؟؟

عندما يشك الطبيب تبعا لمعطيات اكلينيكية بان هناك احتمال لوجود عامل وراثة لد بعض العاىلات فانه يرسل المريض او المريضة او حتى الشخص السليم اكلينيكيا لعيادة راثة السرطان حيث يقوم الاخصاىي برسم شجرة مرض السرطان عند عائلة هذا الشخص.

هذه الشجرة تعني الجذع العائلي من جهة الأم ومن جهة الأب حيث يتم الصعود الى الأجداد واذا امكن إخوتهم أيضا ،والنزول الى الاعمام والعمات والاخوال والخالات وأبنائهم ايضا وبالطبع اشقاء هذا المريض او الشخص الطالب للاستشارة الوراثية ابنائهم.

يستدعي هذا الامر مجهودا مضنيا من الطبيب للتقصي حول سرطان الثدي في العاىلة وأحينا لد تعوز المعلومات حول بعض الاشخاص من العائلة الذين يتعين معرفة تاريخ 

ازديادهم وتاريخ اصابتهم بسرطان الثدي او حتى بامراض اخرى وفي هذه الحالة يكون الاشخاص المسنون ذ ي عون كبير للطبيب.

في فرنسا مثلا يتمكنون من دراسة واستحضار التاريخ السرطاني لخمسة اجيال تقريبا ،أما في المغرب والدو ل النامية فقد لا نتمكن في احسن الحالات سوى من دراسة 3 اجيال فقط .

بعد التوصل الى وضع الشجرة العائلية لسرطان الثدي التي تتطلب بطبيعة الحال بعض الوقت والكثير من الجهد ، يجري الطبيب بعض الحسابات والتنقيطات للمعلومت التي توفرها له ليقرر في نهاية الاستشارة ماإذا كان هناك احتمال وجود جين مدسوس داخل العائلة يرفع القابلية والاستعداد للاصابة بسرطان الثدي والمبيض معا ايضا ماداما يصدران كما تدل الابحاث الوراثية عن نفس الطفرة المورثة. 

فإذا ما تبين ان الخطرضعيف ، يتم العزوف عن هذا الاختبار الجيني وطمانة الشخص وأسرته ،واذا كان الخطر قائما و جديا ،يقترح الطبيب المضي قدما في البحث عن هذه الطفرة الضارة المحتمل وجودها والتي يتحسسها من خلال ثقل الس ابق المرضية الذاتية والعائلية.

ولرفع مصداقية الاختبار يلجأ الطبيب الى اختيار الشخص المناسب الذي يحتمل بشدة ان يكون حاملا للطفرة المشبوهة بين افراد العائلة المتوجسة ،كأن يختار مريضة بالسرطان اصيبت في سن مبكر (30 سنة مثلا) ،أو مريضة قد حل السرطان بكلا ثدييها . 

يتم الاختبار بعد موافقة المعني بالامر من خلال اخذ عينة من الدم او من تجويف الدم لدراسة الحمض النووي وتحديد مااذا كانت هناك طفرة ما وكذا ماهية هذه الطفرة .هذا التحليل يتطلب تقريبا ستة اشهر لكن بفضل التطور التكنلوجي اضحى يتم الان في عدة اسابيع فقط . 

تحليل نتائج التحليل:

اذا كانت النتيجة سلبية ،أي انه لاوجود لطفرة معيبة ، يمكن آنذاك خصوصا اذا كنا قد توفقنا في اختيار الشخص المناسب كممثل للعينة العائلية ان نطمئن كل افراد العائلة بان لا خطر وراثيا اضافيا لديها للاصابة بسرطان الثدي فوق النسبة الموجودة داخل المجتمع ،وبالتالي نصحهم مع ذلك بالمواظبة على رصد السرطان بالوتيرة العادية التي تنهجها الدوائر الصحية .

اما اذا كانت النتيجة ايجابية. بمعنى انه قد تم تحديد طفرة ضارة .فانذاك يمكن اخبار العائلة بذلك، وترك الخيار لهم جميعا اناثا وذكورا في الخضوع لهذا الاختبار ومعرفة مااذا كانوا حاملين للطفرة ام لا .

مثلا اذا كانت امراة حاملة للطفرة الضارة (mutation délétère فنسبة انتقالها لاولادها ذكورا او اناثا هي 50 في المائة .وهذه النسبة تنطبق ايضا على اخواتها وحتى اخوتها . فتلك المراة قد ورثت الجين المريض عن احد ابويها وهو مايعني ان من الممكن ان يكون هذا الاب او الام( المشبوه )او (المشبوهة) قد نقل هذا الجين للاخوة بنسبة 50 في المائة ايضا .

مامعنى أن تكون حاملا للطفرة؟.

الحالة الاولى ؛إذا كانت المرأة لا تزال سليمة، أي أنها لم تصب بعد بالسرطان فمعناه أنها معرضة لخطر جدي للإصابة به خلال حياتها اكثر من باقي النساء الأخريات . مثلا بالنسبة للطفرة الخاصة 

بالجين BRCA1، يقدر معدل السن عند الإصابة ب41 سنة وهو سن مبكر .لأن هذا السرطان يعرف عادة اوج الانتشار بعد 50 سنة .واذا كان المعدل هو 41 سنة فمعناه ان هناك اصابات في 30 وحتى في 25 سنة .

ان عامل الوراثة هو الذي يفسر لنا لماذا يتشبب سرطان الثدي؟.فمثلا اذا اصيبت الأم به في سن 35 سنة، وورثت ابنتها الطفرة العليلة، فهذه البنت قد تصاب في سن 30 سنة فقط .وقد تصاب الحفيدة السيىة الكظ بعد ذلك في سن 25 سنة .

إنه في سن70 سنة تكون60 %من حاملات الطفرة BRCA1قد اصبن بسرطان الثدي و40 % قد اصبن بسرطان المبيض، وتكون 50% و15 % من حاملات طفرةBRCA2 قد اصبن على التوالي بسرطان في الثدي والمبيض .

الحالة الثانية: اذا كانت المراة التي خضعت للاختبار قد نزل بها القضاء واصيبت فعلا بسرطان الثدي، فالاهتمام سينصب على تكثيف المراقبة الطبية على مابقي من الثدي المريض اذا كان العلاج الجراحي موضعيا، وعلى رصد بروز السرطان في الثدي الاخر السليم، لأن خطر الاصابة مجددا بالسرطان مرتفع بالمقارنة مع باقي النساء خصوصاو ان الارقام والنسب ناطقة جدا، و تدعم هذا الخوف وهذا للقلق.فإذا كانت الطفرة تهم مثلا BRCA1 فخطر تسرطن الثدي الآخر هو 10%,20% و30% خلال 5 و10 و15 سنة على التوالي بعد ظهور المرض اول مرة، .بمعنى ان هذه المرأة تحمل لغما سرطانيا في جيناتها التي ورثتها عن والدها او والدتها ..لغما قابلا للانفجار بمرور الوقت او السن . 

فماذا يترتب عن اختبار جيني ينبئ بوجود الطفرة المورثة لدى المرأة؟؟ 

اولا ستستفيد المراة السليمة التي يبين ظهور الطفرة عندها عن استعدادها للسرطان من وقاية مكثفة على خلاف باقي النساء الاخريات اللواتي يستفدن من الرصد النظامي لسرطان الثدي الذي تشرع فيه عادة السلطات الصحية في مختلف الدول بعد سن 45او سن 50 سنة،حيث ستنصح بالشروع في مراقبة مبكرة للثديين عند سن20 سنة من خلال فحص سريري دوري كل ستة اشهر من قبل طبيب امراض النساء والولادة ، ثم تستهل رصد السرطان في سن 30سنة من خلال الخضوع للفحص بالصدى ولتصوير إشعاعي للثديين ماموكرافي (mammographie ) وكذلك وهذا هو الاهم تصوير الثديين بالرنين المغناطيسي الذي لايتضمن اية اشعة والذي هو جد فعال في رصد السرطان المجهري اي في البدايات الضئيلة جدا التي ترتفع فيها حظوظ الشفاء. 

ثانيا :هناك ايضا ضمن الخطة الطبية اجراء جراحة استئصال الثديين الوقائية، والتي تقوم على فكرة الاستباق اي سحب الثد.يين من جسم المرأة وتخليصها منهما قبل تسرطنهما . مما يعفيها ايضا حتى من قلق المراقبة .هذا الخيار الصعب تفضله الى الان 10 % من الفرنسيات الخاملات للطفرة المورثة .و هو خيار جرت العادة على اللجوء اليه بعد سن 30 سنة . ومؤخرا قد جرت اول عملية من هذا النوع بالمغرب سنة 2017 لامراة حاملة للطفرة BRCA1 لم تكن تعاني من اية اعراض للسرطان .

عملية استئصال الثديين هاته تكون مقرونة في نفس الآن بعملية بناء الثدي ( الثدي الاصطناعي) حفاظا على نفسية المرأة و جمالها. 

وقد شاع خبر هذه العملية لدى الجمهور غير الطبي وارتفع الوعي بخطر الوراثة في مرض سرطان الثدي بعد ان أقدمت عليها النجمة انجلينا جولي بعد اكتشافها للجين المورث ضمن حمضها النووي خصوصا وان امها وجدتها قد توفيتا بهذا السرطان .

ولكن رغم ان هذه العملية تخفض نسبة الاصابة بسرطان الثدي ب90 في المائة .ففي امريكا وبريطانيا يفضلون اكثر اللجوء لوضع المرأة السليمة تحت علاج طويل المدى بمضاد للاستروجين طامكسفين tamoxifene يكون من مهمته تثبيط تحفيز الاستروجين لعملية تسرطن الثدي .وهناك ايضا ادوية اخرى وقائية كraloxifene... وآخرون.

ولكن لاينبغي ان نتسى ان هناك ايضا مع هذه الطفرات خطر الاصابة بسرطان المبيض:وفي هذا الصدد يوصي الاطباء بفحص طبي سنوي يكون متضمنا لفحص مهبلي بالصدى للمبيضيين بعد سن 35 سنة في انتظار ان تضع المرأة الإطفال الذين ترغب فيهم ،ثم بعد ذلك يقومون بنصحها باستئصال المبيضين وقناتي فالوب ابتداء من سن40سنة او 45 سنة كاجراء وقائي. 

هذه الجراحةالتي تهم الحوض فضلا عن كونها تمنع الاصابة بسرطان المبيض، فهي تقصي الاستروجين الذي ينتجه هذان المبيضان من جسد المراة، مما يقلل ايضا من خطر الاصابة بسرطان الثدي بنسبة 50 %

2-اذا كانت المرأةالمصابة بسرطان الثدي هي الحاملة للطفرة :

في هذه الحالة يخضع ماتبقى من الثدي المريض والثدي السليم لمراقبة كثيفة من خلال الفحص كل سنة بالرنين المغناطيسي. وقد تنصح المرأة باستئصال الثدي السليم او باستئصال المبيضين. 

الجانب النفسي للاختبار الجيني.

ليس الخضوع للاختبار الجيني بالأمر السهل خصوصا من الناحية النفسية ،حيث تخلق مجرد فكرة خضوع فرد من العائلة لاختبار من هذا النوع مشاعر متفاقمة من الخوف والتوتر داخل افراد الاسرة بشان احتمال وجود مثل هذه الطفرة و إمكان تعرضها بالتالي للوصم جراء ذلك خصوصا عندما تثبث الاصابة ،حيث بعيش افراد العائلة الذين رصدت عندهم ظروفا عاطفية ونفسية صعبة لانهم مطالبون باتخاذ قرارات جريئة بخصوص تدابير الوقاية، بالاضافة الى انه ينتباهم هاجس دائم بانهم مهددون بسرطان الثدي الذي يصبح مثل سيف دومقليس المسلط على (صدورهم) .ومع ذلك فهذه النتيجة الايجابية هي بمثابة ناقوس انذار يكون مفيدا لبعض النساء لتفادي السرطان.

وحتى اذا ما اثبثت الاختبارات انك خال او خالية من الطفرة فسيعمك شعور من الارتياح لكنه لايعفي من ضرورة الانتظام في المراقبة والاستمرار في رصد السرطان مثل باقي النساء لانك لست في مأمن من الحالات الفردية فالمراة تظل في غياب العامل الوراثي معرضة لهذا السرطان المتعدد العوامل لكونها فقط امرأة .

فرغم ان الاختبار الجيني يكشف عن غالبية الطفرات المشخصة لحد الان عالميا والخاصة بجينات سرطانات الثدي BRCA1 و BRCA2 الا انه هناك بالتأكيد طفرات اخرى لازالت لم تكتشف بعد من قبل الباحثين. فعالم سرطان الثدي لازال حافلا بالالغاز الشفرات ، ودائما هناك مناطق ظل تتم إنارتها بالبحث العلمي لاول مرة ، وهذا مايجعل الامل في القضاء عليه بشكل نهائي قويا جدا في المستقبل خصوصا مع تطور العلاج المشخصن. اي ان لكل امراة مصابة بسرطان الثدي علاجها الخاص بها.

إن تعميم مثل هذه الاختبارات الجينية التي لا ترصد السرطان بعد حدوثه بل تتوقع حدوثه تجعلنا لا نعالج السرطان وانما نمنع حصوله من خلال تدابير وقائية تجعل الشخص ولا اقول المريض يرتب مستقبله الصحي دون ترك اي هامش للمفاجأة ممايطرح عدة تساؤلات اخلاقية حول الى اي مدى يمكن مكننة الانسان وتفكيكه دون الوقوع في تنسليعه.ولكن بالمقابل اليس مانظنه اخلاقا ليس في النهاية سوى ماكنا نفشل في فهمه والتاثير فيه .وبالتالي فالاخلاق الطبية ولم لا حتى الانسانية يمكن ان تتغير بتطور العلم؟؟ . المؤكد ان الكثير منا يعتبر انها مطلقة وثابثة،؟؟؟ عند هذا السؤال يقع التماس بين العلم والدين والاخلاق وايهما ينبغي ان يشكل مرجعية للآخر ...وهذا ما تطلب مقالا اخر طبيا فلسفيا .



خالد فتحي