أثارت مذكرات الأحزاب السياسية والنقابات الأكثر تمثيلية المحالة إلى حدود اليوم على اللجنة الاستشارية للنموذج التنموي، في إطار جلسات الإنصات والتشاور المنظمة من لدنها طبقا للتعليمات الملكية الواردة في الخطب المخصصة للنموذج التنموي، الكثير من الانتقادات، وذلك بالنظر إلى مضمونها المناصر لمنطق ما قل ودل، وكذا بالنظر إلى سقف الانتظارات التي تفوق مقترحات مؤسسات التأطير.

إن ضعف المذكرات المشار إليها أعلاه، لا ينبغي قراءته من زاوية المطالب مقارنة بالمتن الترافعي للهيئات الحزبية والنقابية، بل ينبغي قراءته من زاوية السياق العام.

وهكذا، فإذا كانت المذكرات الترافعية تعبر عن تصورات الهيئات السالفة الذكر للورش الوطني المفتوح بمبادرة ملكية، فإنها في الواقع لا تتجاوز رؤية مدونيها، ذلك أن الأحزاب والنقابات لم تكلف نفسها عناء تشكيل لجان داخلية للإشراف على إعداد مذكراتها، وإن ادعت ذلك، كما لم تبادر إلى تنظيم لقاءات جهوية لتجميع مقترحات منخرطيها بجهات المملكة الاثنا عشرة فضلا عن كونها لم تفكر في تخصيص صفحة للتشاور بمواقعها الإلكترونية أضف إلى ذلك، أن مجالسها الوطنية لم تجتمع للمصادقة على مقترحاتها الترافعية، بل عملت على تقديم مذكرات أعدها فريق لا يتعدى في الغالب عدد أعضاء مكاتبها التنفيذية، وربما أقل من ذلك بكثير.

ومن المعلوم، أن أي رؤية استراتيجية لا يمكن أن تحقق الهدف المنشود منها، إلا عبر تشخيص الوضع والإنصات للغير وترجمة الأفكار إلى مذكرات متناغمة مع مبادئ مؤسسة تأطير المواطنات والمواطنين وليس غيرها.

كما أن ندرة الكفاءات الحزبية سبب رئيسي أدى إلى ذلك، وهو ما دفع سابقا جلالة الملك بصفته رئيسا للدولة في خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2018 - 2019 إلى مطالبة الحكومة بتخصيص دعم للأحزاب السياسية قصد الاستعانة بالخبراء والكفاءات في اقتراح ومناقشة وتقييم السياسات العمومية.

وطبعا فالانحدار المهول للمستوى التعليمي ساهم في ذلك أيضا، فالقيادات الحزبية والنقابية الحالية أغلبها لا يتجاوز مستوى الإجازة مع بعض الاستثناءات وبالتالي فاقد الشيء لا يعطيه.

كما أن ضعف قنوات التواصل مع المواطنين، جعل الهيئات لا تفرق بين لجنة إعداد الدستور المكلفة بإنتاج مشروع أسمى نص قانوني وبين لجنة النموذج التنموي المكلفة باقتراح مغرب آخر ممكن، مغرب يهتم بموارده البشرية باعتبارها قطب الرحى في إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية.

وعليه، وبغية تجاوز هذه النواقص يجب على هيئات التأطير مستقبلا اعتماد مقاربة تشاركية في إعداد مذكراتها الترافعية، مع العمل على استقطاب الكفاءات وتكوين النخب من داخل هيئاتها، والحرص على إعادة النقاش العمومي إلى مكانه الطبيعي بشكل دائم حتى تتمكن من تجميع المعطيات وأن تساهم في تحقيق التنمية المندمجة عبر ممارسة دورها التأطيري الطلائعي.

حمزة الأندلسي بن ابراهيم