بوفاة قيدوم الصحافة المغربية مولاي مصطفى العلوي نهاية السنة الماضية (2019)، يكون المغرب قد فقد أحد أعلامه الكبار في الإعلام والثقافة والفكر الوطني. إذ تميزت حياته وكتاباته بالشجاعة والجرأة، وبالعمق وبعد النظر، إذ كان رحمه الله يعتبر الكتابة مسؤولية جسيمة، لا يتحملها الضعفاء.

*****

في يوم عيد ميلاده الثالث والثمانين رحل الكاتب الكبير، الصديق العزيز، مولاي مصطفى العلوي، الذي كان طيلة حياته المهنية، محل متابعة واهتمام، لما يصدر عن مقالته الأسبوعية "الحقيقة الضائعة" من مفاجآت وقضايا وفضائح وقراءات سياسية.

خلال العقود الستة التي قضاها مرابطا برحاب صاحبة الجلالة، لم يرح ولم يسترح، حارب بشدة الفساد وأهله من المفسدين، فضح الوزراء والبرلمانيين والمسؤولين المقاولين، وكل الذين ثبتت في حقهم زلة الفساد، أو ظهرت على وجوههم علاماته، ورافق من أجل قيمه وأهدافه الأشقياء والأتقياء، وتصادق مع أولياء الثقافة والفكر ومع أولياء السياسة والمكر، ليجعل منهم جميعا مراجعه ومصادره الإعلامية التي لا يعلمها غيره.

*****

خلال حياته المهنية ربط صداقات عميقة ومتميزة، مع الزعماء والأمراء والمثقفين والسياسيين والإعلاميين، ولأنه كان رحمه الله وفيا لمبادئه، قلما حرا لا يخاف لومة لائم في قول الحق والدفاع عنه، قاسى عذابات الاختطاف والاعتقال والسجون الخاصة والعامة، ولكن ذلك لم يغير لا من مبادئه ولا من أسلوب عمله.

خلال العقود الستة التي عانق فيها مهنة المتاعب، أصدر ما بين "المشاهد الأسبوعية" و"الأسبوع الصحفي" خمسة عشر عنوانا بعضها بالفرنسية، جميعها كانت إصدارات متميزة في شكلها وموضوعها، تعتمد الخبر المثير، المقالة القصيرة والمثيرة، والكاريكاتور والصورة الفضائحية، وجميعها أيضا تعرضت للحجز والمنع والمحاكمة، إذ كانت مصدرا لمتاعب صاحبها، على عهد الجنرال أوفقير وإدريس البصري بوزارة الداخلية.

*****

تميزت كتاباته رحمه الله بأسلوب خاص، تجمع ما بين البعد السياسي، والبعد التاريخي، وأحيانا تعتمد على روح البلاغة العربية العتيقة.

يقدر الخبراء عدد مقالاته السياسية الموقعة باسمه، والتي تم نشرها خلال الستين سنة الماضية، بحوالي ثلاثة آلاف مقالة، جميعها يخوض في قضايا المغرب الراهن، قدمت قراءات جريئة لأهم الأحداث البارزة بالمغرب على عهد ثلاثة ملوك، وهو ما يشكل للمكتبة الوطنية تراثا متميزا في أسلوبه وطروحاته.

رحم الله أستاذنا الفاضل مولاي مصطفى العلوي وأسكنه فسيح جناته.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

محمد أديب السلاوي