في زمننا القديم الذي مضى؛ كانت هناك أشياء وأشياء كثيرة تحيط بنا قد ألفناها وألفتنا، منها ما هو من منتوجاتنا المحلية وقليل منها ما هو مستورد..وكلها ظلت تصنع الحدث في حياتنا اليومية سواء كنا نعيش في الحاضرة أو بالبادية والقرية والمدشر .. وظلت البساطة تحكم حياتنا التقليدية برمتها ، وما نلمسه من تقارب كبير في مستوى عيشنا بين جل المغاربة عبر ربوع المملكة..!!

 

لقد كان هناك تشابه كبير في اللعب في حياتنا الطفولية كمغاربة، إذ كنا نصنع لعبنا من القصب واَلْعُلَبْ والتُّراب والبلاستيك مما يجعلها حية رغم جمادها، لأنه إبداع طفولي محض وبرىء ،و يساهم في تطوير ذكاءاتنا وتوظيف قدراتنا ومهاراتنا بشكل عملي، وكنا نصنع كذلك السيارات والدراجات والآلات الموسيقية والطائرات والعرائس والدميات والمقالع وغيرها.. وكان الأثاث والأجهزة المنزلية جلها محلي من منتوجات صناعتنا التقليدية المغربية، وحتى الوسائل الالكترونية المستوردة فهي قليلة جدا؛ إن لم نقل نادرة ، وبالكاد تجدها في منازل معينة، إذ يعتبر أهلها من أغنياء زماننا، لكن يبقى استهلاك المواد الغذائية ومواد التنظيف متشابهة إلى حد كبير في غياب عصر العولمة والرقمنة واكتساح الشركات العالمية لأسواقنا المحلية، فلا ماركات للشاي غير" أتاي "النسر والنجمة وصومعة حسان والصويري وشومبوان بالموليف وكاديم وسكر النمر ومذياع فيليبس والتلفزة بالأبيض والأسود والأحذية من البلاستيك كنا نسميها "حلومة" وأخرى رياضية بخسة الثمن لا تتعدى دراهم معدودة و كنا نسميها للشهرة " أديداس" ...

 

اليوم كما نرى في زمانهم الجديد، فكل شيء قد تغير وتبدل عن ما كنا نعيشه ونُعَايِشُهُ، وغابت فيه الأشياء الجميلة التي ألفناها وألفتنا في زماننا من قناعة وبساطة واكتفاء الذاتي وادخار أسري واستقرار الأسعار والزيادة في الأجور مرة مرة ب5أو 10في المائة وتخفيض نقط الضريبة عن الدخل

 

من42إلى41أو40في المائة وباقي الأحلام الوردية الأخرى التي تُبَشِّرُ بقدوم " العام زين" فيما تحمله رياح السياسة والسياسيين " بتاع زمان " ومقترحاتهم الاجتماعية في تحسين الأوضاع للطبقة العاملة وباقي نتائج كذا حوار اجتماعي يلوح في الأفق ...!!؟؟

 

أما اليوم؛ فالهرم الاجتماعي أفرز لنا العجب العجاب ، للمخاض العسير الذي عرفه المجتمع المغربي من تحولات سوسيولوجية جد عميقة خلال العقود الأخيرة من انفتاح اقتصادي وثقافي غير مسبوق، فأفرز لنا طبقة جد ثرية (إن لم نقل أرستقراطية..) وأخرى غنية وثالثة لا هي بشبه فقيرة ولا هي بشبه متوسطة ولا هي بين المنزلتين، بل هي سوى طبقة كبرى ممتدة و تعتبر السواد الأعظم من الشعب، وسميها ما شئت فهي شاردة عن الهرم الاجتماعي ككل..وهي في صراعها اليومي و المرير مع الحياة الصعبة التي أمسى كل شيء فيها يفوق قدراتها الشرائية من أكل وشرب ولباس ونقل ودواء ووقود وتعليم ونقل وسفر وأعياد ومناسبات ...!!؟؟

 

ولا أفق يبشر بالخير سوى ما ينتظره الشعب المغربي من أعضاء لجنة " النموذج التنموي " التي شكلها عاهل البلاد مؤخرا، والتي تكونت من خبراء و كفاءات وطنية ودولية في شتى التخصصات والتوجهات العلمية والفكرية والمجالية ، والبحث عن إيجاد وصفة لمغرب جديد ينظر لمستقبل سنة 2040 /2030 ولعلها تعيد للشعب المغربي ثقته المفقودة مستقبلا في السياسة والسياسيين، لأجيال جديدة قد تخلق لنفسها مع الزمن الآتي نخبة سياسية جديدة تواكب التطورات المجتمعية الحالية لعصر الثورات: الرقمية والمعلوماتية..، ولربما تنبعث من الرماد ، لما أمسى المواطن والمواطنة يعيشانه من ظروف وأحوال جد صعبة، وهما أمام متطلبات عصر لا يرحم، فأبناء اليوم وكما يعرف الجميع ؛ الكثير منهم يرغمون آباءهم على نوع من العيش المصنف بخمس نجوم، وهو فوق قدراتهم و مستواهم المادي سواء من ألبسة باهضة الثمن أوأحذية وماركات من العطور والهواتف الذكية وأكلات ومصاريف الجيب وسفريات ودراجات نارية وغيرها. مما يدفع الأسر للمزيد من السلف من القروض البنكية التي لاحد لها..ولا سبيل غير إعادة جدولتها سنة بعد أخرى، في مواجهة الجميع للمصير المجهول أو البحث عن التوازن المالي الأسري المفقود في غياب تام للادخار...!!!؟؟

 

ويقول المثل المغربي :

 

 

((لي كَيَصْرَفْ أكثر مَنْ مَا كَيْصَوَّرْ على الحبس كَيْدَوَّرْ))

عبد الرحيم هريوى