منذ عام 1979 والعراقيون يعيشون على وقع سؤال يتكرر بطريقة قلقة ومعذبة. ذلك السؤال هو "متى تقع الحرب؟"

وبالرغم من أن حروبا عديدة قد وقعت منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، فإن ذلك السؤال لا يزال مخيما على عقول العراقيين وقلوبهم وعيونهم.

لا أحد منهم في إمكانه أن يقتنع أن آخر الحرب قد وقعت وأن بوابة السلام ستنفتح أمامهم لينغمسوا في حياة يومية كما يفعل البشر العاديون.

لقد أنبأهم الرئيس الراحل صدام حسين بعد أن ألقت حرب الثمان سنوات ضد إيران أوزارها بأن هناك في انتظارهم معركة صغيرة، يصلون بعدها إلى بر الآمان. فكان احتلال الكويت الذي انتج عاصفة الصحراء التي انفتحت على ثلاثة عشر عاما من الحصار الدولي غير المسبوق في التاريخ الحديث.

لا أعتقد أن الرئيس العراقي الراحل كان يكذب. كان صادقا في تقديراته. فحربه التي انتجت كوارث عظمى كانت صغيرة، خاضتها فرقة من الجيش العراقي كانت كافية لإحتلال الكويت.

غير أن الرجل كان غبيا في تقديراته لمرحلة ما بعد تلك المعركة الصغيرة.

يومها وُضع الشعب العراقي على سكة ذلك السؤال الذي صار يتكرر بين حين وآخر كما لو أنه فاصلة حياة هشة بين موتين.

أثناء الحصار اللئيم والفاجر تُرك العراق ليعيش لحظات احتضار طويلة. كان ينتظر أن يُجهز عليه فيكون موته هو الحل الأخير. غير أن القوى الدولية التي فرضت الحصار وتشددت فيه كان لها رأي آخر.

وهو ما جعل العراقيين يقفون على هاوية سؤالهم بلهفة لا يفعلها إلا من صار يهذي بانتحاره ويرى جنازته وهو غير قادر على مغادرة فراشه بسبب جسده المنهك والضعيف.

"حين تقع الحرب ستصل الأمور إلى سويتها. تلك هي الحرب التي ستكون كبرى الحروب. ستحل القيامة. بعدها لن يكون هناك حساب".

ذلك ما كان العراقيون يرددونه عام 2003. "ولكن متى تقع تلك الحرب؟"

صدام حسين نفسه كان ينتظر الخلاص الذي تنطوي عليه تلك الحرب.

ولكن الامور جرت بطريقة أقل تشنجا بعد أن تم تدمير الدولة العراقية والجيش العراقي وخطف القيادة السياسية. لقد أوهم الأميركيون العالم كله كذبا بأن ديمقراطيتهم ستكون الخطوة الأولى بعد القيامة.

وليس صدفة أن يكون ذلك الوعد فاتحة لجحيم حروب متداخلة، الواحدة تنتج أخرى أوتؤدي إليها كما يحدث للنار التي تنتقل بين قطع الحطب.

يومها صار مؤكدا أن العراق وقع في الفخ الأميركي. فالحرب بكل أنواعها صارت قدرا لا مفر منه، ذلك لأن إيران وهي القوة الملهمة الثانية لقيادة العراق الجديد لا تستغني عنها.

إيران هي حرب دائمة. الولاء لإيران هو ولاء للحرب.  

وحين يتعلق الأمر بالولايات المتحدة فإن العراقيين لا يحملون لها مشاعر طيبة. حروبهم الأهلية كلها كانت تحت إشرافها وبرعايتها بل شنت هي بنفسها حروبا عديدة ضد مدن عراقية صغيرة بعد الاحتلال.

لقد استقرت الحرب على أرض الرافدين. ولكن السؤال الخالد بقي على حاله من التوتر والتأثير والقوة. صارت الحرب بمثابة موعد للعراقيين مع حقيقة جديدة من حقائق حياتهم.

"متى تقع الحرب؟" ولا أحد من العراقيين يتساءل "هل تقع الحرب؟"

الحرب بالنسبة لهم واقعة لا محالة. لقد وقعت وستقع في أية لحظة.

لذلك يمكن القول أن الشعب العراقي يعيش حالة حرب مستمرة لا تنتهي. في الصمت العراقي هناك الكثير من ضجيج الحروب.

ولكن متى تقع الحرب حقا؟

حين افتعل الحشد الشعبي حكايته المسلية مع الولايات المتحدة والتي أدت إلى مقتل مواطن أميركي وعشرات الحشديين فإن العراقيين تنفسوا هواء جديدا حين ظنوا أن الحرب قد دخلت من الشباك من غير أن تطرق باباً.

ربما ستقع الحرب في أية لحظة، غير أنها لن تكون الحرب التي ينتظرها أحد.

فاروق يوسف