تحل علينا هذه الأيام سنة جديدة برقمها المميز 20، يبدأ جيل Y و Z (إن كان تاريخ ميلادك بعد 1980 فأنت منهم) الساكن في فضاء العالم الافتراضي بالإفصاح عن حصاده السنوي من إنجازات ومشاريع 2019، عدد الكتب التي قرأها، الدول والمدن التي زارها، العادات التي تخلى عنها أو تحلى بها... إحصائيات يتبارز من خلالها سكان منصات التفاعل "غير" الاجتماعي، يضمر كل واحد شعوره بالنشوة بتحطيم الرقم القياسي لصديق "فايسبوكي" كان يكن له الحسد أو الغبطة في أرقى الحالات النفسية.

الحالات النفسية في هاته الفترة بين مُنتش بانتصاراته ومحبط بإخفاقاته، والتي ترتبط للأسف بمؤشر الإنجاز للخطة السنوية المؤهل لدخول السباق النهائي لتحدي السنة التعجيزي.

لا عيب في أن تخطط لسنتك بجدولة أهداف تجعل لزمن حياتك المستقبلية معنى، يكتب في ميزان حسناتك قبل أن تصبح عملا صالحا، وتكون ضمن8% ممن ينجحون بتحقيق أهدافهم السنوية، إلا أن الملاحظ أن المنافسة لا تعدو أن تكون سباقات سنوية تتجدد بعد ساعة الصفر للسنة الموالية دون أن تكون هناك رؤية تناسب متوسط أعمارنا.

فبمجرد أن تسأل أحد أصحاب الأهداف السنوية عن رسالته في الحياة، عن خطته لها، كيف يرى نفسه بعد 5 سنوات، بعد 10 سنوات، بعد سن 40، بعد سن التقاعد...؟ ما الأثر الذي سيبقى بعد مماته يخلد لذكراه بعد انقضاء زمن العمل؟ تجده عاجزا عن الإجابة، وإن تكلم برر لك غياب وضوح مشروع حياته بظروف قاهرة تكتُب عنه سيناريو حياته.

لذا فإن أهم هدف يجب أن تكتبه اليوم يجب أن يضع عنوانا لحياتك، يجعلك أولا متشوقا لمشاهدة خط زمن حياتك وهو يتقدم سنة بسنة، تكتب سيناريو كل سنة كحلقة مرتبطة بالتي يليها، تحكي بنهاية السلسلة (الحياة)، قصة شخصية عاشت بطولات صارعت فيها إكراهات الواقع وشخصيات وقفت في وجه أحلامها وطموحاتها، لتنتصر في النهاية وقد جعلت من نفسها قصة شخصية ملهمة "كما هو حال سيناريوهات هوليود" وليست قصة شخصية تشفق عليها "كما هو حال سيناريوهات المسلسلات العربية".

هنا يجب أن تدرك أن سيناريو حياتك يتكون هو أيضا من ثلاث محطات سردية يتشابه في تقنياته بمواصفات السيناريو الناجح للسلسلة الدرامية:

البداية:

يجب أن تبدأ بالتعرف على ذاتك لتحدد سماتها وصفاتها قبل أي مشروع أو هدف سيخط مسار حياتك، نقاط قوتها وضعفها، ميولاتها وأحلامها. ويجب أن تسلم بأن سمات شخصيتك مرنة قد تتطور بنهاية كل حلقة سنوية.

بعدها تهتم بالتعرف على شخصيات تحيط بك تأخذ موقعها بين مناصر ومصارع لك. وصفها الموضوعي يجعل الأحداث المتوقعة بيدك أكثر. وتبقى الإثارة والتشويق حاضران بما سيحصل خارج كل توقع ومخطط له.

الحبكة الدرامية أو الصراع:

شريط أحداث كل حلقة (أهداف خطتك السنوية) الإثارة وجاذبية المتابعة، فهي تشترط على الشخصية الرئيسية (أنت) أن تتألم لتتعلم، تبذل فوق طاقتها لتقوي سماتها الأولية حتى ترتقي خبرتها وتزداد صلابتها.

ليس من الطبيعي أن تعيش أحداثا مؤلمة وتصارع لأجل حل عقدة لا تمثل قناعاتك، فأنت من يلعب دور البطولة لنفس السلسلة التي تقاس بزمن العمر الذي ستحياه، ولن يكون هناك التشويق والمتعة والإثارة في ما ستحقق في كل حلقة سنوية إلا إن كانت أحداثها تساعدك في التقدم نحو ما تصبو إليه.

حل العقدة:

قد يغلب على محصول هذه السنة الإخفاقات، لكنها ستعطيك دروسا تبني عليها أحداث مستقبل زمن حلقاتك القادمة، شريط حياتك أنت من يتحكم فيه، فلا تستعجل بإنجازات من الطبيعي أن تأخذ من عمرك سنوات، ضع أمامك محطات مراجعة وتأمل واسترخاء فالمحارب يعرف أن انتصاره بنهاية المسلسل وليس نهاية الحلقة.

فمن يحتفل بإنجازاته في مقتبل عمره يتوهم بعده أن الحياة المتبقية هي لأجل المتعة والاستجمام، فهو سيناريست فاشل لحياته.

كل الشخصيات الخالدة تنطبق على سيرتها المواصفات السابقة، رغم أنك إن سألتها من مرقدها عن خططهم السنوية التي كانوا يضعونها، ستجد علامات التعجب تطفو فوق رؤوسهم، فهم لم يكونوا بحاجة لجداول زمنية تحصي إنجازاتهم السنوية، بل تبنوا مشروعا شخصيا أفنوا حياتهم لأجله، طبعوا به تاريخ البشرية وأثروا في مجراه.

نبيل نبيه