تابعت مقتطف من مداخلة السيد رئيس الحكومة زعيم حزب العدالة والتنمية في البرلمان، يومه 30 دجنبر 2019، صدفة عبر "الفايسبوك" بالصوت والصورة، حيث يقول فخامته بأننا أصبحنا ننتج سيارة "كل دقيقة ونصف".

يا له من خبر مفرح صراحة، فلا شك أن وراء هذا الإنتاج عمل جبار استطاع جلب استثمار مهم لا بد وأنه يوفر الشغل لعدد محترم من اليد العاملة المغربية.

طيب.

ولكن، ربما أن هناك فرقا بين إنتاج وتركيب السيارات من جهة، وصناعتها من جهة أخرى... فهل لدينا سيارة مغربية صنعناها بتصميم مغربي وهندسة مغربية، وكفاءة مغربية، أم أننا مازلنا نكتفي فقط باستقبال معامل أجنبية تصنع سياراتها على أرضنا فقط...؟ "داسيا" و"بوجو" و"رونو"، مثلا، تظل سيارات فرنسية ولو تم إنتاجها في المغرب، أليس كذلك؟

ثانيا، هل جلب الاستثمار الأجنبي من أجل إنتاج أو تركيب سيارات أجنبية في المغرب تم بمجهود فخامته، رئيس الحكومة الحالية وزعيم حزب العدالة و التنمية...؟ لا أظن. فإنتاج السيارات في المغرب أو تركيبها يرجع لما قبل تولي حزبه رئاسة الحكومة بسنين وسنين، أليس كذلك؟

فإذا اعتبرنا أننا حققنا في ما مضى خطوات مهمة مكنتنا من جلب بعض الاستثمارات الأجنبية، فهل مصيرنا أن نظل مجرد مستهلكين لصناعات الغير، غير متوفرين على أدنى صناعة محلية مغربية محضة؟ أم أننا قاصرون لا ذكاء لنا، ولا قدرة، ولا أهلية، ولا شهامة، ولا اندفاع واثق من طرفنا لغزو المستقبل بتوفق ونجاح؟ لا، طبعا..!

لا يمكن لحزب العدالة والتنمية من الاستمرار في تبني الإنجازات الماضية غير الكافية بتاتا، نظرا إلى سرعة العصر، ودون موجب حق، وإلا لاستمرت الفكرة التقدمية، والله أعلم، بأنه حزب "ماضوي" لا ولن يأتي بجديد أبدا فكرة ثابتة...

إننا في المغرب نطمح إلى تشييد صناعة حقيقية لولاها لن تكون التنمية من نصيبنا أبدا؛ فهل من مخطط محكم من لدن حزب العدالة والتنمية في هذا الصدد؟ هذا هو السؤال. فلا وهم ولا أوهام دون تحقيق هدف التصنيع.

ولكن لا بد من التوفر أولا على قدرة التخيل العلمي النافع المجتهد، المطلوب في هذا المجال كمرحلة انتقالية. وأما في غياب فكرة وأفكار علمية مبنية على بحث وأعمال وتصاميم قابلة للتطبيق، فيا للهول...!

التنمية لها شروطها التي لا بد أن تنطلق، بادئ ذي بدء، من تدارك جميع الأخطاء المرتكبة والتي تنعكس على المجتمع فتصيبه في مقتل بلعنة فقدان الثقة، والعدمية، مرض الكسل والهوان، وداء الأنانية، نظرا لانتشار فكر انهزامي هدام ناتج عن الشعور باستحالة رد الاعتبار للمظلومين في شتى المجالات؛ وتنتهي، بعد معالجة أمور أخرى (...)، بتحقيق لفت انتباه جميع مكونات المجتمع من خلال إعداد ونشر مخطط علمي محكم يقدم خريطة طريق عملية شاملة، غير لفظية فقط (...)، يتجمع الناس حولها ويسعون لإنجاح تطبيقها.

الشعب وحده من يستطيع تحقيق التنمية من خلال ثقته في كل مخطط علمي صادق غير منقول من إبداعات الغير، طبعا، ولو ربما بطرق فنية غاية في "التحايل" و"التشكيل".. تحقيق التنمية يقتضي إشراك الشعب أولا قبل كل شيء، ولكن ليس بالطرق القديمة، بل بكسب ثقته في الحكومة والمؤسسات حقيقة، ولن يتأتى ذلك سوى بقرارات جريئة تقطع مع بعض ترسبات ومخلفات ماض مؤلم أصابت، منذ عقدين، بعض ذوي النيات الحسنة، كما شلت تجمعات وتجمعات يبقى المغرب في أمس الحاجة إلى مساهمتها في تشييد مغرب الغد الصناعي المنتج غير المستهلك المستورد في غياب أدنى تصدير معتبر.

هذه رسالتي الموجزة، أو مجرد تعقيبي على ما صدر عن فخامة السيد رئيس الحكومة زعيم حزب العدالة والتنمية، الذي تابعت له مداخلة في البرلمان تمجد بإنتاجنا لسيارة "كل دقيقة ونصف"... فملخص السؤال يتعلق بما أنتجه أو حققه حزبه على مدى قرابة عقد من الزمان في مجال التصنيع، بلا لف ولا دوران، وليس بما وصلنا إليه من دونه. معذرة على الصراحة وشكرا على سعة الصدر.

في انتظار رد مباشر، وتفسير واضح، وشرح مفصل في هذا الموضوع، في إطار تواضع حكومي استثنائي مطلوب، فليتقبل القراء الشرفاء الأعزاء جميعهم أفضل المتمنيات بمناسبة السنة الجديدة 2020 التي أتمنى أن تكون أفضل من سابقاتها...

 

يونس فنيش