كل متتبع للشأن السياسي الداخلي المغربي يلامس بالفعل بأننا نعيش نوعا من الفراغ السياسي، ولربما يكون ناجما عن عدة معطيات سابقة كانت مؤثرة و معروفة خلال محطات وأحداث سابقة ، لسيرورة و تاريخ المنظومة السياسية المغربية، أو كذلك نتيجة التحولات السيوسياسية أو لكذا قرارات غير صائبة، قد تكون كلها مجتمعة ساهمت بشكل من الأشكال في دخول منظومتنا السياسية لمرحلة فراغ سياسي ما.. ولا غرو أن نقول لعله نوع من الركود السياسي، ولعل منظومتنا السياسية كذلك تحتاج اليوم و في ظل الظروف الحالية لدفعة نوعية، تكون أكثرمنها معنوية / سيكيولوجية - نفسية لأكثر من مكون من مكونات المنظومة السياسية برمتها.!!

لكنه يبقى الفراغ السياسي للمنظومة على علاقة جدلية بمعطيات تاريخية وسياسية سابقة، و الآن تعيشها حاليا كل مكونات المنظومة برمتها من أحزاب ونقابات وجمعيات وهيئات أخرى مختلفة تؤثث للمشهد السياسي بمجمله…!!

السياسة دائما تبقى مرتبطة بحالة المجتمع وسيرورته وتقلباته وعلاقته التفاعلية بالساسة والسياسيين. وما دام يعتبر هو المستهدف الوحيد و بدرجة أولى قصد تدبير شؤونه وشؤون البلاد عامة، على المستويين الداخلي والخارجي وعلى المديين المتوسط والبعيد..

والآن أمسينا نسمع بأن الأحزاب الوطنية التقليدية التي كانت تنشط العمل السياسي وتعطيه حيويته بطريقة من الطرق، و تجذب إليها الطبقة الوسطى بأشكال وطرق عديدة سلفا، للانخراط فيه ، فقد أصابها الوهن أو الهرم أو الخريف العاصف أو ما شابه ذلك، ولربما غيرت من أجندتها أوأَخْلَتْ السَّاحة وتركت الجمل بما حمل، وأغلقت مقراتها وغاب تواجدها وتأطيرها وماتت أيديولوجياتها الفكرية لدى القواعد والأتباع والمتعاطفين، ولم تعد تلك الأحزاب المهابة في المعارضة الصلبة والقوية لتبقى تلعب أدوارها التاريخية كما كانت في ستينيات وسبعينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي !!!

وكل ذلك جاء بعد نهاية الربيع العربي وفصوله المؤثرة سلبا ، والذي حل بعدة أقطار عربية في غير وقته؛ مما حول أكثر من بلد عربي إلى دمار وخراب، والنموذج في كل من سوريا وليبيا واليمن..وتبقى تونس الخضراء الاستثناء الوحيد في كل الخريطة العربية، مع بروز أحزاب ذات طرح إسلامي / إخواني والتي اتضح بالملموس بأنها ليست بقادرة تماما على تقديم الإضافة والبديل المنتظر ، وأنها فعلا غير مؤهلة سياسيا وفكريا، وليس لها من الأطر والكوادر ما يجعلها تدفع بشعاراتها نحو الأمام وتنفيذها عبر مشاريع اجتماعية واقتصادية كبرى ومؤثرة على حياة الشعب على أرض الواقع. وتغير حالة المجتمع من ما تعانيه قطاعاته الحيوية من أزمات ومشاكل وتساهم في تخفيض نسب الفقر والهشاشة والعطالة وهلم جرا، مع أن كل تلك الشعارات المرفوعة سلفا، جاءت بها فقط من أجل دغدغة مشاعر ووجدان الجماهيرالشعبية، و جذبها بشتى الطرق كي تخلق لها كتلة انتخابية قارة لا أقل ولا أكثر، وخاصة بالنسبة للعنصر النسوي منها..وهدفها الخفي والمعلن هو تمرير كذا خطاب شعبوي لا يخلو من دوغمائية وركوب على كذا أحداث ووقائع قيمية وأخلاقية عاشها المجتمع.. ولعل الهدف كان هو البحث عن مكان ما بمراكز القرار ليس إلا…!!

لقد كانت سياساتهم تحمل فشلها بين ظهرانيها، وهم يتخذون في حق شعوبهم عدة قرارات مجحفة زادت من عزوف الجماهير عن السياسة والسياسيين وعالمها بصيغتها التقليدية ، مما خلق لنا نوعا من الردة السياسية الغير منتظرة، لجيش من الشباب والشابات داخل المجتمع عبر خلق فضاء سياسي اعتباري في كل شيء عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي..وأكثرها نشاطا بالمحيط الأزرق بحيث أمسى المجتمع الفايسبوكي له سياسته الخاصة في متابعة الشأن المحلي لبلاده و المشاركة المكثفة في توحيد الرأي حول قضايا كبرى للوطن ، وكذلك المساهمة في تأطير وتوجيه المجتمع الاعتباري للقيام بالوقفات والاحتجاجات حول القضايا المصيرية للأمة، مما جعل الأحزاب السياسية وأدرعها النقابية التي تشكل الواجهة للمشهد المقبول والمنتظر في موقف المتفرج أو المساند والداعم إن لم نقل التابع والمستسلم وكل ذلك خلق لنا ما يسمى بالتنسيقيات..!!

إذن قد نجزم أخيرا ، بأن الثورة الرقمية والتكنولوجية في مجال عالم الإعلام

والتواصل أحدثت زلزالا مدويا لدى الأحزاب والنقابات معا، ومعها باقي الهيئات بما فيها الإعلام بصيغته التقليدية مما أحدث معه شرخا كبيرا في علاقة الشباب والشابات بالأحزاب السياسية المغربية والتي وجدت نفسها قد بدأت تفقد مصداقيتها إن لم نقل فقدتها أصلا داخل المجتمع السياسي المغربي مع مر السنين عكس ما عاشته الاجيال الماضية من تفاعل إيجابي كان يَصُبُّ لصالح تطوير ونهضة ونماء العمل السياسي بهذا الوطن…!!

عبد الرحيم هريوى