أطلق الحراك في لبنان شعار إسقاط النظام، وبدأت المطالبة باستقالة الحكومة إلى أن تمت باستقالة الرئيس سعد الحريري، ثم ما لبث أن تصاعدت المواقف للمطالبة باستقالة رئيس الجمهورية. فهل يعتبر هذا السياق المطلبي سابقة في الحياة السياسية اللبنانية؟ وإذا لم تكن كذلك ما هي خلفياتها وتداعياتها؟

في الوقع لطالما شكلت الرئاسة اللبنانية موضع شد وجذب في الحياة السياسية انتخابا وممارسة وتمديدا، ويكاد لا يمر عهد رئاسي إلا وينتهي بأزمة ما، وصلت إلى حد المطالبة باستقالة الرئيس ما شكلت ظاهرة معتادة ومتوقعة.ففي النصف الولاية الثانية الممددة للرئيس بشارة الخوري اجتمعت عوامل داخلية وخارجية أدت إلى استقالته قبل انتهاء الولاية بثلاث سنوات ومن ابرز أسبابها خروج فرنسا وبريطانيا من الشرق الأوسط وبداية واشنطن سياسة ملء الفراغ في المنطقة، وهو أمر ترك آثارا أخرى على الرئاسة اللبنانية أيضا في خلال عهد الرئيس كميل شمعون الذي شهد بروفا لحروب أهلية لاحقة أنهاها بطلب إنزال قوات المارينز في بيروت في العام 1958، ورغم المطالبة باستقالته أكمل ولايته وانتخب اللواء فؤاد شهاب بتسوية أميركية مصرية، وهو الوحيد بين رؤساء لبنان الذي رفض التجديد له لولاية ثانية رغم شبه الإجماع على ذلك، وأوصل الرئيس شارل الحلو الذي اعتبر امتدادا طبيعيا لما سميَّ آنذاك بعهد الشهابية لكن هذا الأخير لم يتجاوز تلك المطالبات بعد قيام الحلف الثلاثي بوجهه الذي ضم آنذاك حزب الكتائب والأحرار والكتلة الوطنية على قاعدة الدخول الفلسطيني العسكري إلى الساحة اللبنانية عبر اتفاق القاهرة 1969، ورغم ذلك أكمل ولايته رغم اعتكاف رئيس الحكومة رشيد كرامي آنذاك، في مقابل ذلك لم يتمكن الشهابيون من إيصال المرشح الشهابي الياس سركيس للرئاسة بفضل صوت زعيم المعارضة كمال جنبلاط الذي أوصل سليمان فرنجية للرئاسة الذي انهى ولايته أيضا رغم المطالبة بإقالته إبان الحرب الأهلية رغم انتخاب الرئيس الياس سركيس قبل ستة أشهر من انتهاء ولاية الرئيس فرنجية.

اختلف الأمر مع الرئيس أمين الجميل حيث واجه معارضة شديدة من إطراف متعددة ومتباينة سياسيا، لكنه أنهى ولايته بفراغ رئاسي حل محله حكومتان الأولى عسكرية برئاسة العماد ميشال عون والثانية برئاسة الرئيس سليم الحص. انهي الرئيس الياس الهراوي ولايته النصفية الثانية الممدة لينتخب الرئيس إميل لحود لولاية ومدد له نصف ولاية ثانية شهدت مطالبات أثنائها باستقالته، إلا أن اغتيال الرئيس رفيق الحريري اخذ لبنان إلى منعطف آخر فراغ رئاسي وانقسام عامودي أديا فيما بعد إلى تسوية الدوحة التي آلت إلى انتخاب العماد ميشال سليمان الذي انهي عهده بفراغ رئاسي وانتهى بتسوية انتخاب العماد ميشال عون رئيسا والذي بدأت المطالبات باستقالته بعد انطلاق الحراك في لبنان.

والمفارقة في هذا الأمر انه لم يتمكن أي رئيس من إكمال عهده بهدوء تام سوى الرئيس فؤاد شهاب، والمفارقة الأخرى أن حالتي الفراغ أتت بعد رئاستي قائدي للجيش الأولى العماد إميل لحود والثانية ميشال سليمان وقبلهما ولاية الرئيس أمين الجميل الذي كان العماد ميشال عون قائدا للجيش آنذاك والذي ترأس الحكومة العسكرية.

المفارقة الأخرى في هذا السياق أن جميع رؤساء الجمهورية في لبنان أكملوا ولاياتهم رغم الضغوط الحادة التي واجهتم باستثناء الرئيس بشارة الخوري الذي قدم استقالته في نصف الولاية الثانية، فيما سميَّ آنذاك انقلابا ابيض والذي اعتبر فيه الأثر الخارجي أكثر حجما من الأثر الداخلي في ذلك الوقت. ذلك يعود للعديد من الاعتبارات من بينها عدم السماح لأي ظرف أن يأخذ مجراه وتصبح استقالة الرئاسة الأولى امرأ عاديا وطبيعيا إذ وقفت الكنيسة المارونية وراء الرؤساء ولو في عز الخلاف السياسي مع أي منهم. والسؤال الأهم هل سيمتد هذا الواقع إلى الرئيس العماد ميشال عون، يبدو أن الأمر كذلك أولا للاعتبار السابق الذكر، والثاني لطبيعة الشخصية التي يتمتع بها العماد عون الذي لم يتراجع عن أي موقف في تاريخه السياسي إبان الحكم أو خارجه، لذا من الممكن أن يرتفع سقف المطالبة في الاستقالة، إلا أن ولايته الدستورية ستتابع وان لم تكن هادئة.

د. خليل حسين