تفتقت أذهان بعض أشباه السياسيين والإعلاميين، إلى فكرة طلب (لجوء المرقة بالتملاق) لدى بعض الدول الأجنبية، والقبول بالعمل لديهم كجواسيس وأقلام وأفواه مأجورة مقابل المال والتموقع الواهم. وإفراز غرائزهم المكبوتة في انتحال صفات المعارضين لبلدهم والعالمين والزعماء القادرين على التصحيح والتسوية وإنصاف هذا الشعب المغربي المسكين. مسخرون للحديث باسم المغاربة، وكأننا شعب قاصر وعاجز على تدبير أموره الداخلية. وننتظر من يتصدق عليها بنضال مستورد عبر الأقمار الاصطناعية.

فئة جديدة من الانفصاليين اختاروا إحداث مهنة (معارض على باب الله أو فريلانس). مهنة جديدة، تمكنهم من التعاقد مع كل الجهات الأجنبية المعادية (هيئات وأنظمة وإعلام..). شريطة أن تضمن لهم ما تيسر من أكل وشرب ولباس وإقامة وليالي حمراء. لا يترددون في ضرب هوياتهم وتاريخهم من أجل إرضاء خواطر من يغذونهم ماليا وفكريا. بدأنا نراهم يؤثثون برامج بعض قنوات الصرف الصحي الأجنبي، التي أحدثت أساسا لابتزاز الدول العربية والضغط على أنظمتها، من أجل استنزاف ثروات الشعوب وضرب هوياتها وثقافاتها. وفرض التدخل في شؤونهم الداخلية من أجل استمرار هيمنتها واحتلالها الفكري والمادي.

إعلام غربي أو خليجي تم توظيفه ليس من أجل نقل الخبر وتحليله، ولا من أجل صناعة الخبر بالمفهوم الصحفي المهني. ولكنه ارتقى بفساده وماله، إلى درجة المشاركة في صناعة وإخراج الحدث. والإعداد القبلي لتفاصيل وكيفية وقوعه. ونسجه بطرق ذكية تمكنه من لعب دوره في الإثارة والتحريض وزرع البلبلة. أموال كثيرة تصرف من أجل بلوغ أهدافه في زعزعة استقرار البلد وابتزاز نظامه، وفرض خضوعه. لا تكتفي بعرض شرائطها المصطنعة، ولكنها تستعين بهؤلاء المعارضين (الفريلانس)، و(المياومين)، ومجموعة (كاري حنكو)، وغيرهم من الفاشلين والمنحلين أخلاقيا، الذين يلهثون وراء العملة الأجنبية. يدعون المعرفة والذكاء والسمو. وهم أمثلة صارخة للجهل والبلادة والمهانة. فتراهم في مشاهد غبية يتقمصون أدوارا (ممثلين وكومبارس)، لإيهام المغاربة بأمور لا تجري في أذهان من يسخرونهم.

الغريب في المغرب أن صفة المعارضة والظهور بمظاهر الزعماء المنقذين، أصبحت مهنة من لا مستقبل ولا ماضي له. بل لا أدنى شروط تعليمية أو ثقافية أو أخلاقية تمكنه من ثقة وتجاوب المغاربة مع خزعبلاته وخربشاته. وجدوا ضالتهم في الفايسبوك واليوتوب

والواتساب وغيرها من منصات التواصل الأجنبية. ركبوا على الوباء الرقمي الذي ضرب المغاربة، وجعلهم يتابعون بكثافة كل مواضيع الإثارة والتفاهات. وتوهموا أن من يتابعون هبلهم وغباءهم معجبين ومتأثرين بما يهدون به. لكن الحقيقة أنهم يتحسرون يوميا على مستوى انحرافهم وانحلالهم الأخلاقي والثقافي، وعلى خوضهم لمواضيع يجهلون تفاصيلها. وأمور لا يمكن أن تدركها عقولهم المشبعة ب ( الجنس والماحيا والمخدرات والقرقوبي..).

وتبقى درجة معارض للنظام هي أعلى مرتبة يمكن أن يرتقي إليها بعض المعارضين الذين لا يعجبهم العجب. لسبب بسيط هو أنهم لا يسعون وراء تصحيح مسارات أو دعم تنمية بلدهم، ولكنهم يعملون لتحقيق مطالبهم الشخصية، بالابتزاز، بعدما عجزوا عن ذلك باستعمال أساليب التوسل والتسول. أو ينشطون وفق أجندات من يحضنوهم بالخارج ويسخرونهم لتنفيذ مخططاتهم المعادية للوطن.

من هؤلاء (معارضي النظام) من يكتفي بالعمل كعميل دائم لدى دولة أجنبية أو قناة للصرف الصحي الأجنبي، وفق عقود عمل وهمية، تضفي عليهم صبغة النزاهة والشرف. وتغطي عفنهم ومهامهم السرية القدرة. وهناك من لا يرى مانعا في تسخير عمالته لكل من يدفع بكل العملات الأجنبية. ويفضل العمل كعميل (مياوم) أو معارض على باب الله (بالموقف)، عميل مستعد لترديد ما لقن له من سب وشتم في حق بلده عبر بعض القنوات الفضائية المسخرة أو منصات التواصل.

أكثر من هذا وذاك، فقد انتقلت عدوى المعارضة لتضرب حتى بعض الفاشلين والمنحرفين و(الحشاشة) داخل الوطن، الذين لم يوفقوا حتى في تنقية وتطهير أجسامهم وعقولهم وبيوتهم، وتصحيح مساراتهم. بلا مستويات تعليمية ولا ثقافية ولا أدنى رصيد معرفي أو خلقي. خرجوا فجأة من العدم الذي صنعوه لأنفسهم. ليبرزوا إلى الوجود، بعدما عاثوا فسادا وانحرافا في أنفسهم ومحيطهم. لبسوا جلابيب الناصحين والزعماء والفقهاء و.. وركبوا منصات التواصل الرقمي، حيث يمكن لأي كان القيادة والزعامة. ليأمرون بما يعتبرونه معروفا وينهون عما فطنوا فجأة أنه منكر وفسادا. ونسوا أو تناسوا أنهم هم من صنعوا الفساد والمنكر بانزوائهم وعزلتهم وتواطئهم وممارساهم اليومية المتعفنة التي تحمل كل مواصفات القدوة السيئة. انتحلوا صفات.. السياسي و الحقوقي و الخطيب و الإعلامي والمثقف.. وحتى المغني الماسخ. للحديث عن واقع مرير لبلد، هم من أوقفوا حاله، وحدوا من تنميته. وأنهم هم من عليهم الامتثال لتلك النصائح والعمل بها. وأن باستقامة وإصلاح المواطن، سيتم إصلاح الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات و.. وستصلح الحكومات وتطهر غرفتي مجلس النواب ومجالس الجماعات الترابية وكل القطاعات العمومية والخاصة. نسوا أن النصيحة تقاس بقيمة وهوية صاحبها. وأنه لا يمكن لمنحرف أن يحث على عدم الانحراف، ولا يمكن لفاسد أن يحارب الفساد. ولا يمكن لمتملق يسعى وراء مصالحه الشخصية أن يقدم أية نصيحة لشعب ذواق للتغيير والسمو.

فهل سيعيش الشعب من أغنية (عاش الشعب)، التي تصدر من ثلاثي العفن والانحراف. وعن أي شعب يتحدث هؤلاء الذين يمثلون فئة الشعب المريض، المفروض علاجها وإصلاحها فكريا وأخلاقيا. وما جدوى التغني بالفساد والاستبداد من طرف ثلاثي يجسد كل أنواع الفساد؟؟.. إن ملايين المغاربة وغير المغاربة الذي هرولوا لمشاهدة أغنية (عاش الشعب)، لم تستهويهم الأغنية التي لا لون لو طعم لها. ولا كلماتها عن الفساد. ولا (الفيديو كلوب)، الذي يظهر تلك الكائنات على حقيقتها المسخة. ولكن الفضول هو من دفعهم ليروا إلى أي حد يمكن أن يصل مستوى الحقارة والوساخة بالأغنية وبالشعب ومطالبه المشروعة. وليدركوا أن الكائنات التي بدأت منذ سنوات تتدخل في كل كبيرة وصغيرة رغم جهلها وفسادها. لم تعد تجدها فقط داخل المجالس المنتخبة واللقاءات والندوات والمحاضرات و.. لكنها بدأت تؤثث لها فضاءات داخل العوالم الافتراضية. حيث يمكن لأي كان القيادة والزعامة. وحيث المتلقي من كل الفئات العمرية ومن مختلف الأجناس.

 

قد نتفق ونجمع على أن الفساد مستشري في البلد. لكن التغيير يفرض البديل. فهل بمثل هؤلاء يمكن لأي كان يغامر ويطالب بالتغيير؟. إن الأمر يتعلق ببلد له أسسه وأعمدته وليس ب(نوالة)، يمكن لأي كان هدها وإعادة نصبها..



 بوشعيب حمراوي