تنبيه: هذا نص مكتوب من مداد القلب.

في أصيلة أصدقاء وأصدقاء، أوفياء وأنقياء، وأما الأشقياء الغرباء فلا أعيرهم قيمة، ومن الأصدقاء الأوفياء: محسن العدلاني، الملقب بجوردي، له عبارة شهيرة في قفشاته: "أصيلة المحتلة".

أستعمل العبارة عنوان نص مكتوب، إحالة على وضع قائم كما شعرت به من قلبي.

لا يمكنني أن لا أكتب، لأن الكتابة مُتنفسي اليومي، ومهربي من أوجاعي من أشواكي، إلى حدائق أشواقي.

جددت اللقاء بمعشوقتي في الجغرافيا، بلدة مغربية صغيرة اسمها أصيلة، وألقبها بجوهرة المحيط الأطلسي؛ كلما مرضت هربت إليها، كلما تعبت هربت إليها، كلما ضاقت بي الأرض بما رحبت، هربت إليها.

لا يمكنني نسيان أنني عثرت على قلبي هنالك نابضا، قبل أكثر من 12 عاما، في أصيلة، فقررت أن ينطلق نهر حب حياتي، من زقاق صغير اسمه أفلاد، في المدينة العتيقة في أصيلة.

أعترف أنني أصبحت عجوزا قبل الأوان، هان حُلمي وضعف حِلمي.

أتعاطف مع بلدة أصيلة في شتائها وفي خريفها، تتحول إلى معزولة لا يزورها إلا الأوفياء، بعد أن تستريح من أسوأ ضجيج صيفي سنوي، لأنها مضرب مواعد عشاق البحر والصيف والسهر.

بدت الشوارع خاوية في يوم خريفي، إلا من قلة من الذين تحملوا الخروج، قبيل مغيب الشمس، وسط انخفاض في درجات الحرارة، وكل الذين رمقتهم من رجال أصيلة، يختبؤون داخل جلابيب ثقيلة، رحل مُزيغ الرجال والنساء، على ارتداء الزاهي اللون، والخفيف في الثوب، وجاء المهاجم الشرس للأبدان، العدو غير المرئي، البرد القارس.

تتحدث المدينة عن أزمة النقل، عن عزلة تتعمق أكثر من أي وقت مضى، رحلت القطارات التي كانت تربط أصيلة بالعاصمة الرباط، وبات المرور عبر محطة النزول، لتغيير القطار، ضرورة ملحة في سيدي قاسم، هكذا يقول الزيلاشيون.

فيما الاكتظاظ في حافلات النقل العام، "الطوبيس" أو "الترامبيا"، وصراع الأكتاف للصمود، حديث له وقعه في بلدة صغيرة، قدرها يربطها بمدينة طنجة، القطب الكبير في غرب شمال المملكة المغربية، ومطالبات الناس بزيادة عدد الحافلات من شركة النقل.

والصادم عند الناس في أصيلة، هو غياب تام للحافلات، الرابطة بين أصيلة وجارتيها طنجة والعرائش، فمع وجود محطة طرقية، من الطراز الرفيع، كما تقول المدينة، فلا بد من وجود حافلات أي "كيران"، وهو ما لم يتحقق بعد، حسب سكان أصيلة.

ودائما تأتي المشاكل جامعة، فللوصول إلى مدينة طنجة، عبر سيارات الأجرة الكبرى، "طاكسي كبير"، لا بد من نزول اضطراري في المحطة الطرقية الجديدة، في أحد أطراف مدينة طنجة، والحاجة هنا إلى 20 أو 30 درهما لسيارة أجرة صغيرة، توصل القادم من أصيلة إلى قلب طنجة.

تتواتر أحاديث سكان مدينة أصيلة، عن مرارة التنقل اليومي، لقضاء حاجياتهم العادية، في مدينة طنجة.

وأما الراغب في تنقل مريح، لأسباب خاصة أو صحية أو لوجود حقيبة ثقيلة بأغراض ما، صوب محطة القطار، للسفر صوب العاصمة المغربية الرباط، عبر القطار الفائق السرعة أي البراق، فعليه دفع 200 درهم، لسيارة أجرة محترمة شكلا ومضمونا، كي يصل إلى البراق في محطته.

لا يمكن إنكار أن النقل، من وإلى مدينة أصيلة، معضلة حقيقية، حسب "الزيلاشيين" أي سكان مدينة أصيلة، وهذا ملف بسيط يمكن إيجاد حلول له، تجنبا للجوء الناس اضطرارا لاستعمال وسائل النقل السري وغير القانوني، أي ركوب سيارات "الخَطافة".

لم أقتنع يوما بأن التنمية فعل ثقافي، في السياق المغربي، لأن التنمية فعل يومي معيش وأساسي وضروري، مثل الماء والهواء، فيما الثقافة في المجتمع المغربي فلا تزال للأسف الشديد كماليات لطبقات مخملية.

فيما الاحتياجات الاجتماعية فضرورة للناس لكي تعيش: تعليم وصحة وشغل وسكن وأمن، ولا بد من الأمل.

أكتب عن أصيلة لأنها محبوبة جغرافيا، لست داعما لأي لاعب سياسي أو انتخابي، لست محابيا لأحد مهما علا مقامه، ولا مهاجما لأحد، مهما نزل شأنه.

ليست لدي حسابات سياسية ضيقة، أو ولاءات لأحد، إلا وطني المغرب.

تعيش أصيلة شتاء طويلا باردا وقاسيا، تحتاج إلى ترميم شوارع محفورة، وإزالة أعمدة كهرباء تقف اثنين اثنين، في مشهد سوريالي.

ففي ليالي الشتاء، تحتاج أصيلة إلى أحبائها يزورونها، يشعلون في قلبها مدافئ من نيران الوفاء، يتغنون بجمالها القديم والجديد، يزيلون عنها غم اجترار مغامرات الماضي الوردي، ويغرسون بذور المستقبل القادم والواعد.