من طوب وقش كانت البداية

بحلول ذكرى المولد النبوي الشريف؛ ومن خلال نظرة كرونولوجية؛ يستحضر العالم الإسلامي أول مسجد أشرف على بنائه الرسول الأعظم (ﷺ)، وبساطة بنائه الذي جمع بين القش والحجارة والطين، ثم ما لبث أن أخذ في التوسعة والهندسة والزخرفة والمعمار إلى أن أخذ شكله النهائي أخيرا وليس آخرا بعد مضي خمسة عشر قرنا على الهجرة النبوية؛ انعكست تطوراتها الثقافية والحضارية الإسلامية قاطبة على فن عمارة المسجد، ومن ثمة شهدت العديد من البلدان الإسلامية ومناطق أوروبية وأمريكية أخرى تشييد بيوتات الله؛ تفننت في عمارتها أيادي كبراء المصممين والمهندسين والبنائين في العالم.

وتشير إحصائيات تقديرية إلى أن تعداد المساجد في العالم يقارب 4 أربعة ملايين، بمعدل مسجد واحد لكل 450 مسلما، وفقا لمواصفات مضبوطة. تأتي أندونيسيا على رأس القائمة بحوالي 900,000 (تسعة مائة ألف) مسجد.

كما يلاحظ أن وتيرة بناء المساجد آخذة في الازدياد بقارة آسيا، وتنخفض كلما اتجهنا غربا نحو أوروبا وإفريقيا وأمريكا، وتكاد تتوقف نهائيا ببعض بلدان شمال إفريقيا، خصوصا في أعقاب انتشار النزعة الإرهابية وسط تنظيمات إسلامية.

مسجد الاستقلال أكبر مساجد العالم بجاكارتا

مسجد الكريسطال الخالص بماليزيا

مسجد الفاتح بالبحرين

مسجد كومة الرمل بالقصيم السعودية

مسجد الذهب بماليزيا

انتشار بناء المساجد وموجة الإرهاب

عرفت القيم الإسلامية انتشارا عم أنحاء المعمور؛ ظهرت معالمها في تشييد المساجد من لدن المحسنين أول وهلة وإنشاء جمعيات خيرية إحسانية عديدة .. بيد أن معالمها هذه سرعان ما اختفت وضمرت في العقد الأخير تحت وطأة ظاهرة الإسلاموفوبيا Islamophoby التي اجتاحت العالم، حينا وطغيان الميديا الغربية التي تم تسخيرها؛ على نطاق واسع؛ في محاربة هذه القيم والتشكيك في نزاهتها، كان من أبرز تداعياتها انحسار بناء المساجد؛ حتى وإن كان عملا تطوعيا وإحسانيا؛ والذي أصبح؛ في السنوات الأخيرة؛ خاضعا لمساطر إدارية معقدة؛ كالتكفل ببناء مرافق تجارية تابعة له، قبل أن تتبناه وتحتضنه وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما هو عليه الحال في المغرب. بل ذهب القلق والتوجس ببعض البلدان العربية والأوروبية إلى إغلاق كل الأمكنة العشوائية لإقامة الصلاة، ما لم تخضع للتسجيل والترخيص، هذا فضلا عن "حجب" رفع الأذان بمناطق معينة وتوقيف عقد حلقات الوعظ والإرشاد داخل المساجد تحت ذريعة من الذرائع.

آسيا الحاضنة للصروح الإسلامية الكبرى

من نافلة القول الإشارة إلى أن "الإرهاب الإسلامي"، حتى وإن ضرب مناطق عديدة من بلدان آسيا، فستظل هذه الأخيرة حاضنة للقيم الإسلامية النبيلة رغم كل التحديات والتهديدات، لوجود عامل حاسم تجسد في انخفاض نسب الأمية الأبجدية بين أفراد شعوبها، مما مكنها من التصدي لكل أساليب اختراقها الثقافي الوافد عليها من الغرب، على النقيض من شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي ما زالت غارقة في وحل الأمية بنسب مهولة إلى جانب وجودها في مناخ سياسي قاهر، مما كان له أبلغ الأثر على قيمها الأصيلة، حتى إنها سارعت إلى التنكر لها؛ تحت يافطة؛ الحداثة والعولمة، على الرغم من أن الفكر الإرهابي وجد فيها وفي كل هذه الشرائح البشرية "المرتدة" أرضا خصبة لبث خلاياه وتصديرها أو استنباتها في مناطق جغرافية أخرى.

 

عبد اللطيف مجدوب