تشهد وضعية التعليم في هولندا حاليا اضطرابات مستمرة. هذه الحالة التي تشغل بال كل المتتبعين والمعنيين والمهتمين بالقطاع برزت للوجود في السنوات الأخيرة، وزادت حدتها استفحالا هذه السنة، إذ قامت الشغيلة التعليمية بتضامن مع كل النقابات بإضرابات مسترسلة، اشتدت وطأتها هذه السنة بالخصوص. الرأي العام أصبح شغله الشاغل حاليا كيفية حل معضلة التعليم.

ترى ماذا حدث؟

مهنة المدرس التي حظيت وتحظى باحترام وتقدير كبير في هذا البلد أصبحت في السنوات الأخيرة مهنة لا يرغب في مزاولتها إلا القليل من الشباب والشابات. عدد الطلاب الذين يلجون مراكز تكوين المعلمين والأساتذة يعرف انخفاضا مهولا سنة بعد أخرى من جهة، ومن جهة أخرى يتجاوز معدل سن المدرسين العاملين حاليا سن الخمسين؛ بمعنى أن الأمر سيزيد استفحالا في المستقبل.

من خلال الاستطلاع الذي قامت به نقابة التعليم الهولندية (AOB) الأسبوع الماضي، وهي أكبر نقابة في البلد، بدا أن أربعا من بين كل عشر مدارس في التعليم الابتدائي والثانوي تعاني من نقص مزمن في المدرسين؛ في حين تعاني ثلثا مؤسسات التعليم الخاص(أ) من المشكل نفسه.

هذه الحالة المزرية راجعة إلى عدة أسباب منها:

الضغط الكبير والمتزايد الذي أصبح يسيطر على مهنة التدريس من كل الجوانب: رغبات وتدخلات الآباء في الشأن التعليمي في تصاعد مقلق، كثرة الاجتماعات والمداولات التي تزيد من إرهاق المدرس، المتطلبات الإدارية المتزايدة التي تستنفد حيزا كبيرا من الوقت، الاكتظاظ الكبير للتلاميذ داخل الأقسام المترتب طبعا عن قلة المدرسين من جهة، وعن سياسة التعليم التي أصبحت تنتهجها الوزارة الوصية عن القطاع من جهة أخرى؛ إذ أصبحت الأقسام حاليا تعج بالتلاميذ بمختلف المستويات، ما يصعب مأمورية المدرس للقيام بواجبه كما يرام، خصوصا بالنسبة للتلاميذ الذين يحتاجون إلى عناية خاصة. هؤلاء كانوا في ما مضى يرسلون إلى مدارس متخصصة، لا يتعدى عدد تلاميذها خمسة عشر تلميذا في الفصل. يتلقون تعليما مناسبا لوضعيتهم ومستواهم الخاص، ويشرف عليهم مدرسون متخصصون في هذا المجال. هذا النوع من التعليم أصبح مكلفا في نظر الوزارة الوصية، وبالتالي لم يعد من السهل قبول كل الأطفال الذين هم في حاجة إلى هذه العناية.

في المقابل أضحى راتب رجل التعليم بالمقارنة مع باقي الوظائف والقطاعات الهولندية راتبا هزيلا، لا يناسب بالمرة المجهود والتضحية وكذا ساعات العمل..

هذه الحالة جعلت بعض الأسر الهولندية تلجأ مضطرة إلى إرسال أطفالها إلى المدارس الخصوصية، ولو أنها جد مكلفة. مع العلم أن ظاهرة المدارس الخصوصية في هولندا جد نادرة وفكرة غير مقبولة عند غالبية الشعب الهولندي.

بالنسبة إلى مدينة أمستردام على الخصوص، قام أكثر من 1000 مدرس ومدرسة بتظاهرة في ساحة "الدام" بقلب المدينة يوم الأربعاء 6 نونبر 2019 للتعبير عن سخطهم وقلقهم لما آلت إليه حالة التعليم، وللنقص المهول الذي تعاني منه أغلب مدارس العاصمة، مطالبين الحكومة بالنظر بجدية إلى الوضعية، والإسراع في تلبية جميع متطلبات الشغيلة التعليمية، منها الزيادة في الأجور، والتخفيف من الضغط المتزايد الذي يلاحق المدرسين، وسن خطة استعجالية لسد النقص الكبير في أطر التعليم.

هذه الوقفة الاحتجاجية، التي تتزامن مع موعد مناقشة ميزانية التعليم بمجلس النواب، ساندتها جل إن لم نقل كل الأحزاب السياسية، وكذا جميع جمعيات أولياء والآباء بهولندا، وعمت جميع المدن الهولندية.

التعليم الخاص في هولندا هو تعليم للأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية إضافية بسبب مشاكل التعلم أو السلوك أو الإعاقة البدنية أو الحسية أو العقلية أو الاضطرابات السلوكية؛ وهو تعليم مجاني يسهر عليه مدرسون متخصصون في المجال.

 

مصطفى الخداري