يتجه الوضع في العراق إلى المزيد من التصعيد مع تلويح المحتجين بالعصيان المدني قائلين إنه بات المسار الوحيد في ظل تعنت الحكومة وعدم استجابتها لمطالبهم. ولم تلب حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الممسكة بزمام السلطة منذ عام مطالب المحتجين.

وفي أحدث تطورات الوضع في العراق أطلقت قوات الأمن العراقية اليوم الأربعاء قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي في الهواء لتفريق المحتجين في وسط بغداد مع اتساع نطاق أكبر موجة من المظاهرات المناهضة للحكومة في عقود لتشمل مختلف أنحاء بغداد.

وأفادت مصادر على عين المكان بأن إطلاق النار وقع على جسور بغداد الثلاثة الرئيسية، وهي الأحرار والشهداء وباب المعظم، أو قريبا منها بعد أن تحولت إلى نقاط احتجاج محورية.

وتأتي هذه التطورات على إثر تهديد الناطق باسم القوات المسلحة العراقية اللواء الركن عبدالكريم خلف باعتقال أي شخص يحاول قطع الطرقات وغلق الجسور وستتم إحالته للقضاء.

وأضاف في مؤتمر صحفي بالعاصمة العراقية أن "أي عملية قطع للجسور سيتم التعامل معها بحزم وإحالتها للقضاء"، متهما بعض المتظاهرين بارتداء الزي العسكري خلال الاحتجاجات.

وأعلن كذلك أن خلية أزمة من أجهزة الأمن في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات، داعيا المتظاهرين إلى عدم الاقتراب من القواعد العسكرية. كما كشف أن خسائر الاقتصاد الناجمة عن الاحتجاجات بلغت 6 مليارات دولار.

القوات العراقية تلجأ للقوة لتفريق المحتجين وفتح الجسور المؤدية للعاصمة
القوات العراقية تلجأ للقوة لتفريق المحتجين وفتح الجسور المؤدية للعاصمة

كما تأتي فيما أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي أن عبدالمهدي ترأس اليوم الأربعاء اجتماعا موسعا لمناقشة موازنة العام 2020 ونسختها المحدثة على ضوء المفاهيم والأسس الجديدة التي طرحت في البرنامج الحكومي.

 وشملت النقاشات إضافة الالتزامات المالية المطلوبة لتنفيذ جميع الوعود التي قدمتها الحكومة استجابة لمطالب المتظاهرين وإجراء إصلاحات مهمة لترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات وخفض العجز وبدء عملية التحول التدريجي نحو موازنة البرامج والأداء. 

ويغلق المحتجون جسر الشهداء على نهر دجلة منذ ظهر الثلاثاء، ما ينذر بشلل عام للحركة في بغداد، فيما انضم الآلاف للمظاهرات المناهضة للحكومة في بغداد والمحافظات الجنوبية.

وكانوا قد حاولوا السيطرة على جسر الأحرار يوم الاثنين الماضي عندما فتحت قوات الأمن النار فقتلت ما لا يقل عن خمسة منهم.

وذكرت مصادر طبية وأمنية أن ما لا يقل عن 27 شخصا أصيبوا بجروح ناجمة عن إطلاق قنابل الغاز، لكنها لم تتحدث عن سقوط قتلى.

واعتقلت قوات الأمن كذلك أعدادا كبيرة من المحتجين. وشوهدت قوات الشرطة وهي توقف مركبة صغيرة قرب أحد الجسور وتضرب سائقها قبل أن تعتقله.

وتقع على نحو منتظم اشتباكات للسيطرة على جسرين آخرين قرب ساحة التحرير في وسط بغداد، حيث يتجمع الآلاف منذ أسابيع، مما يرفع عدد الجسور التي أغلقها المحتجون إلى خمسة.

ولقي أكثر من 260 عراقيا حتفهم في مظاهرات تخرج منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول رفضا لطبقة سياسية يصفها المحتجون بالفاسدة والأسيرة للمصالح الأجنبية وتنديدا أيضا بالنفوذ الإيراني في العراق.

وقتلت قوات الأمن 13 محتجا على الأقل بالرصاص خلال الساعات الأربع والعشرين حتى مساء الثلاثاء، فيما ذكرت مصادر طبية أن أربعة أشخاص آخرين توفوا متأثرين بجروح أصيبوا بها في احتجاجات سابقة خلال الأسبوع الماضي.

ويحتشد العراقيون في ساحة التحرير في بغداد منذ أسابيع مطالبين بإصلاح النظام السياسي في أكبر موجة من الاحتجاجات الحاشدة منذ سقوط صدام حسين عام 2003. ويتجمع الآلاف أيضا في معقل الشيعة الفقير في الجنوب.

وشهد العراق هدوء نسبيا منذ ألحق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية في 2017، لكن على الرغم من ثروة العراق النفطية، يعيش كثير من سكانه في فقر ولا سبيل لهم للحصول على المياه النظيفة أو الكهرباء أو الرعاية الصحية أو التعليم إلا على نحو محدود.

ويعود السبب الرئيسي لهذه الشكاوى إلى نظام اقتسام السلطة على أساس طائفي والذي اتبعه العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وقالت مصادر أمنية ونفطية إن محتجين أغلقوا اليوم الأربعاء مدخل مصفاة نفط الناصرية في محافظة البصرة الجنوبية المنتجة للنفط، مضيفة أن المحتجين منعوا شاحنات تنقل الوقود إلى محطات غاز من دخول المصفاة، مما تسبب في نقص الوقود.

وقالت مصادر أمنية إن قوات الأمن فرقت بالقوة خلال الليل اعتصاما نظمه المحتجون في البصرة، لكن لم ترد تقارير عن سقوط قتلى. وكان المحتجون معتصمين أمام مبنى المحافظة.

ويغلق آلاف المحتجين جميع الطرق المؤدية إلى ميناء أم قصر الرئيسي المطل على الخليج، قرب البصرة. والعمليات في الميناء الذي يستقبل معظم واردات العراق من الحبوب والخضر والزيوت والسكر متوقفة تماما منذ أسبوع.

وقال متحدث باسم رئيس الوزراء العراقي إن إغلاق ميناء أم قصر كلف البلاد ما يزيد عن ستة مليارات دولار حتى الآن.

ووقعت اشتباكات هناك الليلة الماضية حيث قامت أسر المحتجين الذين قتلوا في محاولات سابقة لفض الاعتصام برشق قوات الأمن المتمركزة قرب ميناء البصرة بالحجارة.

وكان عبدالمهدي قال في كلمة أذاعها التلفزيون أمس الثلاثاء إن للاحتجاجات أثرا اقتصاديا لا يقوى العراق على تحمله، مطالبا المحتجين بوقف تدمير الممتلكات العامة والخاصة.

وقالت مصادر أمنية اليوم الأربعاء إن أوامر اعتقال لمنظمي الاحتجاجات صدرت من بغداد لكل المحافظات أمس الثلاثاء، مضيفة أن العشرات اعتقلوا بالفعل في البصرة والناصرية.

وذكر مرصد نتبلوكس لمراقبة انقطاع الإنترنت إن قيام الحكومة بقطع الإنترنت عن معظم أنحاء العراق شطب ما يزيد عن مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي في أكتوبر/تشرين الأول.

ولا تزال خدمات الإنترنت مقطوعة في كثير من مناطق العراق اليوم الأربعاء، بعد أن كان محجوبا تماما مساء الاثنين قبل أن يعود للعمل لفترة وجيزة تقل عن أربع ساعات أمس الثلاثاء.

وقد نددت السفارة الأميركية في بغداد اليوم الأربعاء بالعنف ضد المحتجين العزل وحثت زعماء البلاد على "التفاعل عاجلا وبجدية" مع المتظاهرين.