السياسي بداهة يمتلك خلفية فكرية ونضالية، يتم إنضاجهما بالعمق المطلوب، وفي زمن محترم، ليس بالقصير، كما يمتلك رؤية يترجمها إلى مشروع، وبرنامج فردي أو جماعي، يعرضه أمام المواطنين ويدافع عنه باستمرار، وبناء عليه تتم مناقشته فكريا، ومحاسبته جماهيريا إذا ما اختار أن يخوض غمار الانتخابات؛ من هنا تأتي تسميتها بالاستحقاقات، إنها استحقاق فكري ونضالي، ثقافي وسياسي؛ هكذا يفهمها الكبار.

وبهذا المعنى تتقدم السياسة في ديارهم، وتتراجع عندنا، حين نريد سياسيين بلا خلفية فكرية حقيقية، وبلا تاريخ نضالي، وبلا امتداد جماهيري، فماذا يتبقى من السياسة إذن، حين تنتفي مقوماتها الأساس، وتفرغ من أبعادها الفكرية والنضالية والتمثيلية؟ وماذا يتبقى من أحاديث الديمقراطية وصويحباتها؟ هل نريد وزراء يدبرون ويحكمون ولذلك يحاسبون؟ أم نريد جماعة موظفين، يؤدون خدمة تقنية، ويتقاضون أجورهم ثم ينصرفون؟.

الغموض يتلف المعنى، من سيدافع عن تدبير الحكومة الحالية في 2021، ومن سيعارضها، وفي ظل أي سياق؟. السياسة بالمعنى الديمقراطي تعني التمثيلية، وتعني الدفاع عن مصالح وقضايا فئات اجتماعية معينة، آمنت بالسياسي _ رجلا أو امرأة _ واقتنعت به وببرنامج حزبه، وبخطابه، ولذلك اختارته دون غيره وغيرها، وتنتظر منه ومنها أن يستميت في الدفاع عن مصالحها، ويكون مستعدا للمحاسبة وتقديم التفسير السياسي المقنع في حالة الإخفاق، وعدم النجاح، وهذا هو المعنى النضالي والنبيل للسياسة؛ وهذا هو المبرر العلمي والسياسي لأهمية الأحزاب، وضرورتها في حياة الدول، والتجمعات البشرية عموما؛ فالمطلوب أن نساهم في صناعة أحزاب حقيقية، تعي أدوارها الأساس، وتمارس صلاحياتها الدستورية، بكل ثقة ووطنية.

وليس عيبا أن تنقرض من صفوفنا الهيئات التي لا تمثل أو لم تعد تمثل شيئا، لأسباب ذاتية صرفة، فالتجديد الحقيقي والجاد مسألة حيوية في الحياة الفكرية والسياسية، فلا يعقل أن نظل طول الوقت نردد أحاديث التاريخ والأمجاد الغابرة، بلا أثر ولا فعل، ولا قدرة على مواجهة المعضلات الواقعية، كما لا يعقل أن ننتظر فشل الأحزاب الجادة، ونتمنى بوارها، ونضع أمامها العراقيل، بغرض التشويش على صورتها، وتسفيه عملها، وإبعادها عن المعنى الحقيقي للتدبير والحكم. لا يعني كل هذا إلا المزيد من تضييع الوقت، وفي ما يضر ولا ينفع في شيء. الديمقراطية هي التمثيلية، وهي دولة الأحزاب، هكذا يفهمها العالم، ولا وجود لمعنى آخر، ولا لمنزلة بين المنزلتين.

 

ابراهيم أقنسوس