هل تضع الحكومة القضاء في المكان الذي يستحقه؟ المُطَّلع على المادة التاسعة من مشروع قانون الميزانية لسنة 2020 قد يطرح مثل هذا السؤال. لقد تجاوزت الحكومة الكل، قضاء ومؤسسات، بل الأكثر من ذلك، لم تُعر حتى توجيهات الملك اهتماما، وهو الذي دعا في خطاباته التي تعد ملزمة إلى ضرورة احترام المقررات القضائية وتساوي الجميع، إدارة ومواطنين، أمام القانون.

خرجت الحكومة من خلال مشروع قانون الميزانية الذي صادقت عليه وعرضته على مجلس النواب لتؤكد عدم اكتراثها بالأحكام القضائية، من خلال تنصيصها في المادة التاسعة على أنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز".

لا يختلف اثنان على أن الحكومة من خلال هذه المادة ترسل إشارات سلبية إلى المواطنين ومختلف الفاعلين، مفادها أن الأحكام القضائية التي تصدر ضد مؤسسات الدولة مجرد قرارات لا تغني ولا تسمن من جوع. إنها دعوة للمواطنين المتضررين من بعض الإدارات إلى عدم إضاعة وقتهم وجهدهم ومصاريف الدعوى القضائية، طالما أن الحكم مهما كان في صالحهم لن يتم تنفيذه.

إن الحديث عن دولة المؤسسات والقانون يفرض على الحكومة، بصفتها المشرع الأصلي، احترام الوثيقة الدستورية التي صادق عليها المغاربة، والتي تنص في فصلها 126 في فقرته الأولى على أنه "يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء"؛ ما يعني أن الإبقاء على المادة المذكورة بالصيغة التي جاءت بها الحكومة يجعلها غير دستورية، ومعرضة للطعن لدى المحكمة المختصة إذا ما تم عرضها عليها، مع ما يرافق ذلك من هدر زمني للحكومة والبرلمان، البلد في غنى عنه.

إن وضع هذه المادة من طرف الحكومة -التي يطرح السؤال حول ما إن كان الهدف من إعادة إثارتها بعدما سحبتها من قانون سابق للميزانية هو إلهاء البرلمانيين والرأي العام عن مواد أخرى أكثر جدلا في هذا القانون- لن يزيد سوى من الاحتقان الاجتماعي وسط المغاربة، خصوصا المستثمرون الذين سيتراجعون عن التقدم للتنافس على الصفقات التي تعلنها مؤسسات الدولة، على اعتبار أن دخولهم في خلاف معها سيجعل حصولهم على مستحقاتهم يصطدم بهذا الواقع رغم انتصار القضاء لهم.

ولعل الدفع الذي قدمته الحكومة، على لسان وزير الاقتصاد والمالية خلال مناقشة مشروع الميزانية، بكون هذا القرار الذي اتخذته راجع إلى الارتفاع الكبير في الحجوزات، ما يمكن أن يهدد التوازنات المالية للدولة، إذا لم تتم برمجة تنفيذ الأحكام بشكل يراعي إكراهات الميزانية العامة ومحدودية المداخيل، هو دفع لا يمكن تقبله لا شكلا ولا جوهرا، على اعتبار أن أخطاءها في تدبير ميزانيتها لا يمكن أن يتحملها المواطن المتضرر من سياستها.

فما ذنب مواطن متضرر من قرارات وزارة التربية الوطنية مثلا؟ كيف نحرمه من تعويضاته المستحقة التي يحكم له بها القضاء، بسبب شطط الوزير في استعمال سلطته وفِي اتخاذ القرارات؟ إن تهديد التوازنات المالية للدولة لا يمكن حله إلا بربط المسؤولية بالمحاسبة.

إن استمرارية المرفق العام التي تحدث عنها الوزير بنشعبون تتمثل في احترام القضاء باعتباره سلطة؛ والإخلال بقراراته عن طريق رفض تنفيذها أو تأخير توصل المتضرر من قرارات الإدارات بتعويضاته هو إشارة سلبية إلى المستثمر الوطني والأجنبي. ولو توفر حسن النية لدى الحكومة كان عليها على الأقل أن تربط التنفيذ بأجل معقول.

فكيف نقنع المقاول المغربي اليوم بالمشاركة في الصفقات التي تطلقها الإدارات العمومية وهو يدرك أن أي خلاف معها سيكون مضيعة للوقت والمال، طالما أن السلطة التنفيذية منحت هذه الإدارة صلاحية تنفيذ الحكم القضائي وفق رغبتها وقدرتها المالية!.

هذه رسالة سلبية توجهها الحكومة إلى مختلف الجهات والأطراف من متقاضين ومحامين وقضاء، فتفريغ المقررات القضائية من محتواها سيكون له تأثير على صورة قضاء البلاد واستقلاليته دوليا، ويؤكد أنها اختارت الباب السهل لتفادي تهديد التوازنات المالية للدولة: علاج النتيجة بدل علاج السبب!.

عبد الإله شبل