يتصور البعض عند حديثك عن الفساد في مؤسسات وإدارات السلطة الشرعية اليمنية أنك تستهدفه وحزبه، وأن كلامك عن الفساد في هذا التوقيت هو خدمة لأعداء السلطة الشرعية، وانتقاص لمن وقف معها، والإساءة إليهم وتحريض الشارع عليهم. هكذا يفسر المتحزبون الأحداث فيرون أنين المواطن من الفساد، ووجعه من المفسدين صيحات عليهم، يحسبون أن كل تذمر من الأوضاع السيئة هو تآمر عليهم؛ فيتوجسون خيفة من أي حراك شعبي يعبر عن استياء من سلطات قصرت في القيام بواجبها، وتذرعت بالحرب وبالوضع القائم، كتبريرات تغطي عجزها وقصورها في تقديم نموذج لسلطات دولة ولو بالحد الأدنى.

عندما نتحدث عن الفساد المستشري في أجهزة الشرعية اليمنية، يسرع المتحزبون، وبأسلوب ينم عن إنكار للحقائق، فيطالبون من يتحدث عن الفساد بالإتيان بالدليل، ومع قانونية مطلبهم هذا إلا أنه يخفي وراءه مطلبا تعجيزيا، يعتبرونه حجة دامغة تخرس من يطالب بوضع حد لفساد أزكم الأنوف.

يا هؤلاء، الذين أعمت الحزبية أبصارهم، ماذا تعتبرون تردي الخدمات؟ ماذا تسمون إهمال الجرحى والتنكر لتضحياتهم؟ إن لم يكن هذا فساد فبربكم أروني كيف هو الفساد؟!

تطلبون الدليل على الفساد، وأنتم تعلمون علم اليقين أن الفساد دائرة مغلقة، لا يفضحها إلا جهاز رقابي للدولة وهو في هذه المرحلة لم يستو عوده، أو منظمات مجتمعية رقابية، وهذه مصاب معظمها بداء الحزبية، وأغلب مواقفها مكايدات ومناكفات، كمواطن يمني أشعر بالفساد، وأذق مرارة طعمه، أجده في الشارع الموبوء بطفح المجاري وأكوام القمامة، أراه في أزمة الغاز المنزلي انعدامه وارتفاع أسعاره، أشعر به في حسرة جريح، وهب الوطن أغلى ما يملك فكان جزاؤه تركه في خانة النسيان....الخ.

يا هؤلاء، ندرك أن الفاسدين لديهم قدرة عجيبة وأساليب رهيبة في ممارسة الفساد، تحت ظل القانون واللوائح، ونعلم جيدا أنهم ليسوا بدرجة من الغباء، بحيث يمكنون المجتمع وهيئاته الرقابية من الأدلة التي تدينهم، لكنكم أيها المتحزبون عميتم أو تعاميتم عن دليل قوي وواضح، معروف لدى القاصي والداني ولا يستطيع الفاسدون إخفاءه، وجوده حجة دامغة كافية على فسادهم، إنه مظاهر الثراء والبذخ الملازمة للمسؤولين الفاسدين، والتي لم تكن موجودة قبل تعيينهم في مفاصل السلطة، أي أنها ثمرة من ثمار المناصب التي تولوها، فهل يا معشر المتحزبين تسمون مظاهر ثراء وبذخ المسؤولين فسادا أم ستقولون: إنا نحسد الناس على ما آتاهم ربهم؟!

عبدالواسع الفاتكي