بالنظر إلى الاضطرابات المستمرة في العلاقات التركية الأميركية، لم تعد مؤسسة الأمن القومي في واشنطن تنظر إلى أنقرة على أنها حليف لها. وبدلاً من ذلك، ترى مؤسسة الأمن القومي الأميركي أن تركيا كانت مصرة وعازمة على الانحياز إلى موسكو. إن الاتفاق الأخير بين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين بخصوص إقامة منطقة آمنة على طول الحدود التركية السورية والتي يبلغ طولها 400 كيلومتر تقريبًا – لتتولى الشرطة العسكرية الروسية والجنود الأتراك مسؤولية مراقبتها – يؤكد هذا الأمر في أذهان مؤسسة الأمن القومي الأميركي فقط.

ويشكل هذا الاتفاق انتصارًا فعليًا لكلٍ من روسيا ونظام الأسد، وخسارة حقيقية لواشنطن وحلفائها الأكراد. وبالتالي، بات حزبا الكونغرس اليوم داعمان لفرض عقوبات جديدة على تركيا – بعد إيقاف المجموعة الأخيرة من التدابير العقابية. وهناك تزايد في المشاعر المناهضة للأتراك ليس فقط بسبب غزو أردوغان والتقارير المتعلقة بجرائم الحرب، ولكن أيضًا بسبب امتلاك أنقرة لنظام الدفاع الصاروخي الروسي أس-400. إن العديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين يدافعون عن دونالد ترامب في مسألة التحقيق معه لعزله بسبب أوكرانيا، يرغبون بشدة في معاقبة تركيا، وذلك لا لشيء إلا إثبات أنهم لا يتبعون البيت الأبيض بصورة عمياء.

وعلى الرغم من أن البعض يحذر من أن العقوبات المتجددة ستدفع تركيا إلى التقارب أكثر مع روسيا، إلا أن معظم المشرعين الأميركيين يعتقدون أن هناك بالفعل صلة وثيقة بين تركيا وروسيا، وبالتالي، فإنهم غير نادمين على تكثيف العقوبات والإمعان في إلحاق الضرر بالأتراك. وفي الواقع، هناك اتفاق واسع النطاق في أوساط الدوائر في واشنطن على أن اللغة الوحيدة التي يفهمها أردوغان هي لغة القوة ممثلة في العصا الغليظة. وفي غرفتي مجلسي النواب والشيوخ، سيتحول هذا الاتفاق إلى موافقة أغلبية الثلثين والتي تتمتع بحق النقض على قانون "مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات"، والذي سيستهدف القطاعات المالية والعسكرية في تركيا. ورغم ذلك، يجب على المشرعين الأميركيين توخي الحذر.

وبمجرد تطبيق العقوبات، والتي يعتقد معظم المشرعين أنها مبررة وضرورية، فإنها ستؤثر بشدة على الاقتصاد التركي وأغلبية السكان. وسيؤدي السقوط الحر لليرة التركية إلى مزيد من التضخم والإفلاس والبطالة.

وسيستغل أردوغان على الأرجح الظروف الاقتصادية المتدهورة باللجوء إلى القومية التركية ومعاداة أميركا. وسيعمل أردوغان على تحويل هاتين المسألتين لصالحة داخليًا. وبقدر ما هو متوقع أن يستغل أردوغان هذا الأمر لصالحه، فإن العقوبات المفروضة على تركيا – على الأقل المتوقعة حاليًا – سيكون لها تأثير سلبي واضح على المصالح الأميركية.

والسؤال هنا، هل هناك طريقة لإيذاء نظام أردوغان دون الإضرار بالشعب التركي؟ (ومصالح أميركا الخاصة). كانت أواخر القرن العشرين مليئة بالعقوبات التي فشلت في تحقيق أي شيء إيجابي. ولكن اليوم، هناك مجموعة واسعة من الكتابات حول كيف يمكن للعقوبات "الذكية" أن تستهدف قطاعات ومسؤولين محددين، بدلاً من المجتمع ككل – وبذلك، يحدث الضرر الذي سيؤدي على الأرجح إلى التغيير السياسي المنشود.

وتدرك أميركا هذا الأمر حقيقة. وفي 14 تشرين الأول/ أكتوبر، وبعد وقت قصير من التوغل التركي في سوريا، اتخذت وزارة الخزانة الأميركية مثل تلك الإجراءات، ومنعت وزارتي الدفاع والطاقة التركية من التعامل مع النظام المالي الأميركي. إن اختيار هاذين الكيانين التركيين وكبار مسؤوليهما يعزلهما بشكل فعال عن أي معاملات تتعلق بالدولار الأميركي. لكن في "حكمته العظيمة غير المسبوقة"، رفع دونالد ترامب تلك الإجراءات الجراحية تقديراً لاتفاق أردوغان – بوتين حول المنطقة الآمنة في شمال سوريا. (وكل هذا بفضل الحكمة العظيمة).

وفي هذا الأسبوع، سيناقش الكونغرس فرض عقوباته الخاصة. ولكن، بينما يناقش الكونجرس السبل والوسائل لمعاقبة تركيا، يجب على المشرعين أن يضعوا في اعتبارهم الخطط الانتقائية لوزارة الخزانة. ويجب أن يمتلك الكونجرس أفكار شديدة الوضوح حول الهدف من العقوبات. وهذا يعني أن العقوبات يجب أن تستهدف بشكل أكثر صرامة مجالات عسكرية ومالية بعينها.

ولذا، وبدلاً من الأهداف الواسعة وغير المحددة، يجب أن تكون العقوبات مرتبطة بوضوح بمطالب تحددها الولايات المتحدة الأميركية إلى تركيا. وفي هذا الصدد، وفي الظروف الحالية، ينبغي مطالبة تركيا بما يلي: الالتزام بعدم تفعيل نظام الدفاع الصاروخي الروسي أس-400؛ والالتزام بضمان عدم تنفيذ قواتها العسكرية والعربية بالوكالة لأي عمليات تطهير عرقي في سوريا، والالتزام بضمان عدم ارتكاب أي جريمة حرب تحت أعينها.

ويجب أن تقترن تلك الخطوط الحمراء الواضحة بحوافز لحفظ ماء وجه أردوغان لكي يعدل من سلوكه. ومرة أخرى، ولاسيما وعلى وجه التحديد في الظروف الحالية، يجب أن يرتبط الالتزام التركي بعودة أنقرة إلى برنامج الطائرات المقاتلة الشبح أف-35 والمساعدات المالية لشراء نظام الدفاع الصاروخي الأميركي باتريوت، والمضي قدما لإبرام اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية.

إن الدبلوماسية القسرية غالبًا ما تكون فن إيجاد التوازن الصحيح بين الترغيب والترهيب – فسياسة الترهيب والترغيب مضمونة بالفشل. وبالتالي، وفي نهاية المطاف، يجب أن يشعر أردوغان بالضغط بسبب أفعاله، ورغم ذلك، يجب أيضًا اشعاره بان لديه العديد من الخيارات والمساحة الكافية للمناورة.

عمر تاسبينار