إشكالات قانونية ودستورية تعترض عرض ومناقشة "تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية" أمام اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي البرلمان

يتتبع الرأي العام باهتمام كبير الإشكال المطروح اليوم في البرلمان حول مسألة "عرض ومناقشة "تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة"، وخاصة الجدل القائم حول "مسطرة الإحالة" ومسألة "العرض والمناقشة".

وفي هذا الصدد، فإن المادة 110 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية التي تؤطر هذه المسألة، لم توضح بدقة "مسطرة إحالة" تقرير رئيس النيابة العامة على أنظار اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي البرلمان، كما لم توضح الجهة المكفول لها مسألة "عرض" هذا التقرير قصد مناقشته أمام اللجنتين.

وهذا ما يسمى في الفقه الدستوري "بعيب الاختصاص التشريعي" الذي يبقى للقاضي الدستوري صلاحية إثارته عند إعماله للرقابة على دستورية القوانين التنظيمية وفق الاختصاصات المسندة إليه بمقتضى فصول الدستور وأحكام القوانين التنظيمية، وذلك عندما يتبين له أن عيبا أو نقصانا تسلل إلى مقتضيات القانون التنظيمي موضوع الرقابة، بكيفية تجعل هذه المقتضيات يعتريها خلل في التطبيق، وهو ما يدفع بالقاضي الدستوري في بعض الأحيان إلى استعمال عبارة (يتعذر على الحال البت في القانون التنظيمي المعروض).

وفي هذا الإطار فإن البند الثاني من المادة 110 من القانون التنظيمي السالف الذكر، وبسبب عدم دقة صياغة هذا البند، يكتنف قراءتين بخصوص مسطرة الإحالة:

- يتلقى المجلس الأعلى للسلطة القضائية تقرير رئيس النيابة العامة، قبل عرضه (من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية) على أنظار اللجنتين.

- يتلقى المجلس الأعلى للسلطة القضائية تقرير رئيس النيابة العامة، قبل عرضه (من طرف هذا الأخير أي رئيس النيابة العامة) على أنظار اللجنتين.

كما أن مسألة الإحالة، طبقا للمادة 110، تفيد الإحالة المباشرة على أنظار اللجنتين، كما تفيد الإحالة على أنظار اللجنتين مرورا برئيس مجلس كل لجنة وذلك باحترام القواعد المنظمة لكل مجلس برلماني، على اعتبار أن النظام الداخلي لكل مجلس يلزم مرور جميع المراسلات الواردة على المجلس وكذا المراسلات المحالة من المجلس على الهيئات الخارجية، عبر قناة رئيس المجلس باعتباره الممثل والمخاطب أمام باقي الجهات والهيئات الخارجية.

إضافة إلى أن عبارة "عرضه أمام اللجنتين" تطرح إشكالية تتجلى في التساؤل التالي: هل مسألة "العرض" هنا تفيد إحالة التقرير- فقط- على أنظار اللجنتين، أم أن "العرض" هنا يتعدى مسألة الإحالة إلى مسألة عرض مضمون التقرير وتقديمه لأعضاء اللجنتين، وإذا كان الأمر كذلك فمن سيتولى مسألة العرض هذه؟

أضف إلى كل هذا، أن قرار المجلس الدستوري رقم 991.16 ، وفي إطار تعقيبه على مقتضيات المادة 110 سالفة الذكر، أعطى "للمشرع باعتباره المختص بوضع السياسة الجنائية، الحق بتتبع كيفيات تنفيذ هذه السياسة قصد تعديل المقتضيات المتعلقة بها وتطويرها...."، وفي نفس الوقت منع الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض من عرض التقرير وكذا من حضوره أثناء المناقشة أمام اللجنتين ! وذلك عملا بأحكام الفصل 107 من الدستور الذي يجعل السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

لكن، هناك من يرى أن هذا الاستقلال هو استقلال نسبي، على اعتبار أن الفصل الأول من دستور المملكة ينص على مبدأ التوازن والتعاون بين السلط، وبالتالي وجب على السلطة القضائية، وخاصة النيابة العامة باعتبارها جزءا من هذه السلطة، أن تتعاون مع باقي السلط وخصوصا مع البرلمان من أجل إيجاد السبل الكفيلة بتطوير وتحسين السياسة الجنائية.

وفي هذا الصدد، لابد من الإشارة أولا، إلى أن السلطة القضائية، وبالرغم من تنصيص الفصل الأول من الدستور على مبدأ التوازن والتعاون بين السلط، لها ميزة خاصة تميزها عن باقي السلط الأخرى، تتمثل أساسا في مبدأ الاستقلال التام في العمل والاشتغال عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا ما حرص عليه المشرع عند وضعه للقوانين التنظيمية المؤطرة للسلطة القضائية، بشكل جعل معه، حتى مسألة التعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية وبين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل في المجال الإداري (الهيئة المشتركة بين المجلس ووزارة العدل المكلفة بالتنسيق في مجال الإدارة القضائية) يجب أن تتم بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية (الفقرة الأولى من المادة 54 من القانون التنظيمي رقم 100.13).

ثم الإشارة ثانيا، إلى أن مبدأ التوازن المنصوص عليه في الفصل الأول من الدستور سالف الذكر، هو ميزة تحكم السلطتين التشريعية والتنفيذية فقط، ولا يتعدى هذا الأمر إلى السلطة القضائية، على اعتبار أن هذا التوازن يتجلى أساسا في إمكانية السلطة التشريعية من معارضة السلطة التنفيذية من تحمل مسؤولياتها عبر ملتمس الرقابة (الفصل 105 من الدستور) ونفس الشيء بالنسبة للسلطة التنفيذية التي يمكنها معارضة السلطة التشريعية عبر إمكانية حل رئيس الحكومة لمجلس النواب (الفصل 104 من الدستور).

لكن، وبالرغم من هذا الاستقلال الذي يميز السلطة القضائية عن باقي السلط الأخرى، وهو الاستقلال المكفول دستوريا وقانونيا للسلطة القضائية كما تم التطرق لذلك، فلابد من إيجاد صيغة توافقية تحترم مبدأ استقلالية السلطة القضائية، وتسمح في نفس الوقت من تعاون كل السلط من أجل خدمة الصالح العام، كما سبق وأن عبر عن ذلك المجلس الدستوري في قراره رقم 991.16 عند تعقيبه على مقتضيات المادة 54 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك بالقول:

"وحيث إن النظام الدستوري للمملكة لا يقوم فحسب على أساس فصل السلط، بل ينبني أيضا على توازن هذه السلط وتعاونها، طبقا لما نص عليه الدستور في الفقرة الثانية من فصله الأول؛

وحيث إن مبدأ التعاون بين السلط يقتضي، عند الحاجة، إقامة علاقات تنسيق بينها قصد تحقيق غايات مشتركة، من خلال تسهيل كل سلطة لممارسة السلطة الأخرى لوظائفها خدمة للصالح العام؛".

عبد السلام التواتي