تكيل جبهة البوليساريو هذه الأيام سيلا من الاحتجاجات على حزب مارايانو راخوي لكنه ارتد عن مواقفه أيام المعارضة من النزاع حول الصحراء. وتتهم قيادة البوليساريو الحزب الشعبي الإسباني بتخليه عن مبادئه التي أعلنها إبان حملته الانتخابية ولا سيما ما يتعلق بتأييد موقف جبهة البوليساريو إلا أن مذلك لم يتم وفق ما كانت تنظره والحق أن جبهة البوليساريو، وإذ تقدم على مراسلة مدريد رسميا بخصوص هذه الزيارة وتجديد رسالة تلك؛ إنما يكشف عن تراجع الدعم الاسباني للبوليساريو في القضايا الإنسانية والدبلوماسية والإعلامية، وهو التراجع الذي تقلص أكثر، مقارنة مع حجم مساعدات حكومة "زاباتيرو".

غضب جبهة البوليساريو على الحزب الحكومة الاسبانية الجديدة قد ازداد حنقا حينما لم يتجاوب راخوي مع طلب البوليساريو لاستقبال محمد عبد العزيز المراكشي وقيادات أخرى من الجبهة دون الاستجابة إلى طلبها وتستغيث جبهة البوليساريو في إطار حملة إعلامية على مدريد بضرورة تبني ما تسميه الجبهة "سياسة التوازن في نزاع الصحراء بين الطرفين". حيث يقول ممثل الجبهة أحمد البوخاري: "إن رئيس الحكومة الإسبانية "ماريانو راخوي" زار الرباط كما زار عدد من الوزراء المغاربة مدريد، واستمعت اسبانيا للموقف المغربي وأنه في إطار التوازن يجب عليها أن تستقبل قيادة البوليساريو فمن الناحية الموضوعية السياسية في الوقت الراهن فإنه من المستبعد جدا أن تستجيب مدريد لمثيل هذا الطلب، لكونه سيفسر في حالة الاستجابة له بأنه عمل عدواني ضد وحدة المغرب الترابية، ومدريد ليست في حاجة إلى ما قد يوثر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط ومهما تحاول جبهة البوليساريو الوقيعة بين الرباط ومدريد بالإلحاح على طلب استقبال الأخيرة لقيادة جبهة البوليساريو، فإنها لن تفلح في ذلك، لحاجة اسبانيا الملحة إلى مزيد من تقوية علاقاتها السياسية والاقتصادية مع المغرب، والتي باتت أمرا استراتيجيا لا يمكن تجاهله.

 

ولهذه الاعتبارات فإن مدريد ستحرص وبدون شك على تجنب كل ما يمكن أن يوثر علاقاتها السياسية مع الرباط. لأن من شأن استجابتها لهذا الطلب أن تفسره الرباط بأنه خرق لمبادئ حسن الجوار، وقد تؤثر على المصالح الاقتصادية الاسبانية داخل المغرب التي تسعى إلى مزيد من المكاسب والتسهيلات للخروج من أزمتها المالية والاقتصادية في سياق تنافس بين مع فرنسا على الإمكانيات التي يوفرها المغرب للاستثمارات في شماله. إضافة إلى مصالحها المتعلقة باتفاقية الصيد البحري مع المغرب وفضلا عن ذلك فإن اسبانيا لم يعد بإمكانها الرفع من حجم مساعداتها الإنسانية للبوليساريو ومخيمات تندوف لأزمتها المالية والاقتصادية من جهة، ومن جهة ثانية لأنها لا يمكنها أن تغامر بمتعاونيها الإنسانيين، بعدما تأكد تواطؤ عناصر جبهة البوليساريو في اختطاف اثنين من مواطنيها من داخل مخيمات تندوف إلى حدود الآن وعليه فإنه من الاستحالة بمكانة أن تستقبل الحكومة الاسبانية زعيم جبهة البوليساريو رسميا كرئيس. للاعتبارات السالفة، وأخرى أن اسبانيا الآن ترتبط مع المملكة المغربية بكثير من تعهدات حسن الجوار مع المملكة المغربية، فضلا على أن مدريد لا يمكنها البتة الإقدام على هذه الخطوة، لأن من شأن ذلك أن يجر عليها ويلات احتجاجات شعبية مغربية كبيرة في الداخل والخارج.

 

وحتى وإذا كانت مسؤولون اسبان في الحكومة السابقة قد استقبلوا زعيم جبهة البوليساريو محمد عبد العزيز المراكشي، واستقبله "زاباثيرو" بصفته أمينا عاما للحزب الاشتراكي، وزار عضو الخارجية الاسبانية في الحكومة السابقة لمخيمات تندوف للاجئين. إلا أنه من الصعوبة بمكانة أن تتكرر هذه الاستقبالات، تفاديا للاحتجاجات القوية التي قد يبديها المغاربة، إضافة إلى شجب الرباط لذلك، وهو ما يترتب عنه ركوض في التعاون المغربي الإسباني وبالرغم من مناورات البوليساريو تبقى غير منتجة في جعل حكومة "راخوي" تقدم على مثيل هذه الخطوة، لأن المغاربة جميعا لن يغفروا لها ذلك، بل وقد يترتب عن ذلك انهيار كامل لكل علاقاتها مع المغرب ومن المتوقع أن يفضي عدم تجاوب مدريد مع طلب جبهة البوليساريو، إلى إعادة تقييم موقف الجبهة التفاوضي بخصوص النزاع في الصحراء، والتراجع عن مواقفها المتطرف بخصوص تقرير المصير الذي لا يعني بحسبها سوى الانفصال واستقلال الأقاليم الجنوبية الصحراوية عن المغرب.

 

إن حنق البوليساريو على الحكومة الاسبانية يبرز في خطابها الإعلامي المهاجم لسياسة "راخواي" وصل إلى حد تأليب الجمعيات الموالية لها ضد حكومته، ذلك أنها كانت تأمل من حزبه الشعبي بعد وصوله إلى الحكم، بأنه سيكون من المطالبين بالاعتراف الرسمي بـ "الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية"، قبل أن تعيد وصف ذلك بأنه كان مجرد شعار في حملته الانتخابية وكانت الجبهة قد فشلت في توريط اسبانيا في النزاع حول الصحراء، حيث لا تزال جبهة البوليساريو تصر على القول بأن: "اسبانيا كانت جزءا من المشكل ويجب أن تكون جزءا من الحل" على اعتبار أنه اسبانيا كانت تحتل الصحراء وتروم الجبهة الإبقاء على مصالحها السياسية في إسبانيا حينما تبين أن الحزب الشعبي لم يعد مؤيدا لرؤيتها السياسية بخصوص النزاع حول الصحراء، ولذلك تسعى إلى استقبال تعيد من خلاله الثقة إلى مناصري طروحاتها الانفصالية.

 

ويبدو أن اسبانيا تعرف أن لا رسالة جديدة للبوليساريو لها غير اللوم والاحتجاج على الحزب الشعبي حيث تعتبره تراجع عن موقفه الذي عبر عنه خلال حملته الانتخابية التي قادته إلى رئاسة الحكومة الاسبانية، إذ كانت البوليساريو تعول عليه لتقوية موقفها التفاوضي وضمان المزيد من المساعدات المالية لقادة البوليساريو والمساعدات الغذائية لسكان مخيمات تندوف وتأتي هذه الرسالة بعد حملة إعلامية للبوليساريو احتجاجا على ما اعتبرته على تراجع حكومة "راخواي" لتعكس حنق البوليساريو على تراجع رئيس الحكومة الاسبانية "راخوي" عن موقفها من الصحراء الذي كان يعبر عنه قبل الانتخابات البرلمانية الاسبانية الأخيرة، حيث كان ينتقد بشدة سياسة "زاباتيرو"، واصفا إياه بـ "المنحازة للموقف المغربي من قضية الصحراء".

 

المصدر الجزائر تايمز