قال أحد رجال العصابات و هو ينصح ابنه الذي تورط في المشاكل: "يا بني لا تبحث عن محامي جيد يعرف القانون، بل ابحث عن محامي يعرف القاضي"... ، كانت نصيحة تكفي لتهون على الابن المتورط فزع العقاب، و تختزل فكر رجال العصابات، الذين لا يؤمنون بالقانون، بل يسعون دوما للسيطرة على القائمين على تطبيقه، بدأ من مركز التشريع إلى سلطة التنفيذ، و رغم أننا منذ أربعة عقود و نحن نصارع و نجاهد بسيزيفية كبيرة كي نبني مؤسسات على أسس متينة، إلا أن من بيننا من يحمل معاول الهدم و يمشي خلفنا يدك الصروح التي أنهكنا بناؤها، و يسعى ليجعل دولتنا مجرد اسم للاستهلاك الإعلامي، من غير مؤسسات حقيقية و لا قوانين تحدد الحقوق و الواجبات، يستثمر في الفوضى و يرعى بيضة الشقاق و التفرقة و القبلية...، من بيننا من يشعره النقاء بالتعاسة و هذه  اكبر خيانة.

حاولنا أن نترك للقيادة مساحة أكبر كي تثبت براءتها  من كل ما فعله تجار المخدرات خلال السنوات الاخيرة  و مما حصل في ليلة الفوضى الكبيرة داخل المخيمات و التي  اكدت الاحداث بأنها خارج السيطرة... و نقول لا تسيطر عليها القيادة  لأن في ذلك كلام كثير و شرح يفتت المكاسب و يقوضها، و سنحتاج لذكر بعض ذلك الشرح لفهم كيف أوقع بنا المغرب في الشراك الني نصبناها له...، تركنا مساحة كافية للقيادة كي تمنحنا التبرير المقنع و كي تؤلف على الأقل رواية تقبلها عقولنا بعدما تعبنا من تحمل حماقاتها.

نحتاج في هذا الموضوع العودة قليلا إلى الوراء، و بالضبط إلى يوم قام المدون "محمود زيدان" بتنشيط حلقة تفاعلية على وسائل التواصل الاجتماعي، حينما اختار كموضوع "تجار المخدرات بين الثورة والثروة"، و هي الحلقة التي تسببت له في غضب قيادي كان سبب في التعجيل باعتقاله و الزج به في السجن، بعدما فضح تورط قادة كبار من الدولة الصحراوية و أبنائهم في تجارة المخدرات، و حملهم وزر دماء من أزهقت أرواحهم في صراع النفوذ التجاري لبارونات التهريب، و كان "محمود زيدان" قد وجد للقادة وصفا قال فيه أنهم تحولوا من "مطاردين للثورة" إلى "مطاردين للثروة"، و كان كل ذلك عقب العثور على جثة الشاب الصحراوي "عليان ولد دليل" الذي وجد مدرجا بدمائه في إحدى أزقة تندوف، و تجاهلت القيادة مقتل الشاب و لم يتم متابعة أحد في الأمر، و تركت القضية للنسيان و تحمل التراب دمه، و لو انه قتل بالأراضي بالقرب من جدار الذل لعلم بذلك كل العالم، و لصدحت حناجر الدبلوماسيين و اتهم فيه صغير المغرب قبل كبيرهم.

و قبل مقتل الشاب الصحراوي "عليان" كانت المخيمات سنة 2017، و بالتحديد مخيم أوسرد على موعد مع أحداث مهولة روعت السكان في واضحة النهار، حيث تقاتلت عصابتان على شحنة مخدرات، و عوض أن تقوم القيادة بالتصدي لهم و سجن أفراد العصابة، دعت شيوخ القبائل و عقلاء القوم لرأب الصدع بين المتناحرين و تهدئة النفوس و كأن الأمر مجرد خلاف بين أسرتين على بئر مهجورة، و انتهى الحال بحصول الوفاق بين العصابتين، هذا الوفاق رعته القيادة كما لو انه عقد سياسي، و كي تداري القيادة ضعفها و رعايتها لتجارة الموت، فقد استدرجت بعض المقهورين الذين يهيمون على وجوههم في الصحراء، و قالت لنا في وسائل الإعلام أنهم أباطرة...، فيما الصور كانت بألف معنى، و ظهروا بغاية القهر و الحرمان، و كان معظمهم من الرعاة، و نسبت لهم تجارة المخدرات و حوكموا تم سمح لهم بالهروب في نهاية القصة.

و لأن الله لا يبارك التجارة الملعونة، فإن الفضائح ظلت تتربص بالمخيمات، و رياح الخلافات ترفض أن تترك عورة الشعب الصحراوي مستورة، فقد كانت المخيمات على موعد مع فضيحة ضخمة هذه المرة للمخدرات بتاريخ 18 سبتمبر 2019، حينما هاجم شباب من "ركيبات لبيهات" ابناء عمومتهم من "ركيبات السواعد" لتحرير "هدي ولد بوينينة" الذي أحتجزه أفراد "لبيهات"، بعدما سلبهم كمية من المخدرات تبلغ قيمتها ستة مليارات سنتيم جزائري، أي ما يعادل 3.5 مليون درهم، و هذا الرقم يكفي ليشرح لنا ما يقع في المخيمات و كيف تدير العصابات دواليب الدولة بجيشها و مكاتب سياسييها...، و كيف تبارك ضمنيا القيادة هذه التجارة، من باب "الضرورات تبيح المحضورات"، و مبررهم في ذلك "اننا في ثورة و نحتاج للتمويالات مهما كان مصدرها".

نعود لما قاله المدون و الناشط السجين "محمود زيدان" الذي كان سباقا إلى اتهام القيادة و من حولها بالبحث عن الاغتناء و الثروة، حيث كان قد قال أن الدولة الصحراوية تحولت إلى دولة عصابات، و أن القادة أصبحوا يبدعون في تجارة المخدرات و كل واحد منهم يمتلك تنظيما كاملا، و نزيد على ما قاله المدون و الناشط "زيدان"، بوضع شرح و تحليل لهذا التورط، حيث أن قادة الجيش الجزائري يقبلون بوجود هذه التجارة في مجال نفوذهم، و لدفع الشبهة عنهم فإنهم يجعلون أنفسهم بعيدين جدا عن أضوائها و يدفعون بالشباب الصحراوي و القادة الصحراويين للتورط عنوة فيها.

و القيادة ترى في هذه التجارة طوق نجاة، لأنها بعد تراجع عائدات الهبات و المساعدات و المنح الدولية، و بعد التضييق الحاصل على ما تبقى من طرف المنظمات الدولية، و المراقبة الدقيقة للإتحاد الأوروبي و فروعه الإنسانية و انهيار أسعار البترول و الحراك في الجزائر...، فقد رأت في الأرقام التي تذرها المخدرات منفذا لتمويل التنظيم ، خصوصا و انه مقبل على تنظيم مؤتمره العام خلال الشهرين المقبلين، و نضيف إلى هذا أن الشباب الصحراوي و خصوصا الجيل الثالث و الرابع أصبح لا يؤمن بالقضية الوطنية بنفس القدر الذي آمن بها الرعيل الأول و اصبح أكثر انفتاحا على التحضر...، بعدما زار بلدان أوروبا أو تابع على مواقع التواصل كيف يعيش أقرانه بكل حضارة و كرامة  عبر العالم، و تسعى القيادة في تحفيز هذا الجيل على البقاء عبر الإغراء بتجارة الموت و عائداتها، و توريطه في الإدمان، و تأطير هذا الشباب في كارتيلات تؤمن خطوط الإمداد بين مالي و المخيمات و بين ليبيا و المخيمات و حتى بين أمريكا اللاتينية و المخيمات، و ما حصل في المناطق المحررة بين "لبيهات" و "السواعد" يؤكد هذا الكلام و يوثقه.

و مثلما قال يوما أحد القضاة الأمريكيين، و هو يصف المافيات الإيطالية و ما تقوم به في أمريكا زمن الأربعينيات من القرن الماضي، "لا يمكن أن نتهم دولة إيطاليا بالفساد لمجرد أن بعض مواطنيها هاجروا إلى أمريكا و أسسوا تنظيمات فاسدة، لأن إيطاليا تظل بلد الفنون الجميلة و الرقي الحضاري، كي لا نكون مثل من كره الشجرة لأن بعض ثمارها فاسدة..."، لكن الوضع مختلف في القضية الصحراوية و داخل المخيمات، و إذا كانت إيطاليا و جدت من يشهد لتاريخها و جمالها، فالعكس تماما في الدولة الصحراوية، حيث تتربص بها الأيدي السوداء،  لأن شجرتنا أصاب جوفها الخراب و تسوست جدورها، و فسد ساقها و نال منها المرض، و أصبحت كل ثمارها فاسدة، و أخشى أن يأتي يوما نرى تلك الأيدي تحمل فأس الحطاب، و تهوي عليها لتجزها كي ترميها إلى النار... 

غضنفر الصحراء للجزائر تايمز