لا يختلف متتبع للشأن السياسي المغربي حول مآل النماذج التنموية التي امتطت صهوتها الدولة المغربية على الأقل منذ الستينيات، تراوحت بين المخططات الرباعية والخماسية وصولا إلى سياسة التقويم الهيكلي، وقوفا عند إعلان الملك الراحل الحسن الثاني أمام البرلمان أن المغرب مهدد بالسكتة القلبية، مستنفرا الحكومة والمؤسسات لمحاولة تدليك سريعة للاقتصاد الوطني قصد تفادي السكتة. وبعد جلوس الملك محمد السادس على العرش، فتحت أوراش وكأن المغرب لتوه حصل على استقلاله، كما تم الإعلان عن المفهوم الجديد للسلطة ولكن لم يتم الإعلان عن المفهوم الجديد للنموذج التنموي الذي سيرافق أسلوب التدبير الدولاتي للجالس على العرش.

هل النموذج التنموي الذي ورثه عن سلفه كان فاشلا أم فقط كانت تعتريه بعض الأعطاب كما كانت تزعم جل الحكومات تتطلب فقط إصلاحها ونمر في الأسلوب ذاته لمسار التنمية؟

يبدو أن الفاعل السياسي لم يبد، أبدا وطيلة عقدين من حكم العهد الجديد، أية ملاحظة تنتقد النموذج التنموي الذي سار ومازال يسير عليه المغرب: فجل الحكومات المتعاقبة منذ الوزير الأول جطو إلى النسخة الثانية من حكومة بنكيران مع سلفه العثماني، ما فتئت تصريحاتها تكذب كل المؤسسات الدستورية التي تقوم بعمل جبار لإبراز حقيقة الوضع من المجلس الأعلى للحسابات والتخطيط وبنك المغرب، بل وبعض التقارير الدولية، بما فيها البنك الدولي.

حيث ركزت على الأوضاع الكارثية التي يمر بها الاجتماعي مترجما في معدل البطالة في أوساط الشباب، وارتفاع نسبة الفقر التي امتصت الطبقة الوسطى وسوت بينها وبين الطبقات المعوزة، زد على ذلك تدهور التعليم في الدرك الأسفل عالميا، وتردي الصحة، وخصاص مهول في جل الخدمات التي يستحقها دافعوا الضرائب.

بخلاصة، صورة قاتمة عن أسلوب الحكامة التي يدبر بها المسؤولون البلاد منذ تولي الملك محمد السادس الحكم. وما نطرحه هنا ليس تنجيما وإنما جل الخطب الملكية تؤكد فشل النموذج التنموي الذي انتهجته الدولة إلى حدود كتابة هذه السطور.

سؤال التعديل الحكومي والنموذج التنموي المبتغى

دعوني أطرح سؤالا بريئا، هل بعد التشخيص الممل للأوضاع التنموية والاقتصادية التي رهنت التطور والازدهار التنموي ببلادنا بمجموعة من الكوابح /الفرامل لعل أبرزها المديونية الخارجية التي فاقت كل تصور، حيث وزارة الاقتصاد والمالية تفصح عن توقعها ارتفاع الدين الخارجي إلى 50 مليار دولار السنة القادمة (2020) بالمقارنة مع السنة الفارطة 47 مليار دولار، كما توقعت ارتفاعا في حجم خدمة المديونية الخارجية إلى نحو 4، 3 مليارات دولار، موزعة بين أداء أصل الدين بنسبة 78 في المئة من هذا المبلغ وبنسبة 21، 4 في المئة برسم الفائدة (الشرق الأوسط عدد 08 يوليو 2019) الذي من أجل التصدي له، لا بد من الانصياع إلى إملاءات المؤسسات والبنك الدولي في إخراج السياسات العمومية وفق الوصفة الجاهزة من طرفها.

هل بتعديل حكومي يمس بعض الوجوه والكراسي، وإن كان أن فكرة تقليص العدد إيجابية في حد ذاتها، لكن عمر ولاية الحكومة المعدلة وبعد إكراهات الحذف والضم وإنشاء أقطاب داخل الجسم الحكومي وتطعيم فريقها بالتكنوقراط، هل هذا كاف ليجد الحل السحري طريقه لإرساء النموذج التنموي المرتقب؟

في محاولة متواضعة للإجابة عن هذه الأسئلة، ولو، أخذا بنظرية الوسم، ومن خلال قراءة في بعض المؤشرات حول ملامح هذا النموذج التنموي المفترض بحسب ما يتاح الاطلاع عليه من خلال وسائل الإعلام، لشح المعلومة، يتضح ألا شيء سيتغير في طبيعة النموذج المرتقب للأسباب التالية:

أ. تزاوج المال والسلطة مازال قائما في البلاد من طرف الفاعلين السياسيين.

ب. عدم إشراك الشعب في الاختيارات الإستراتيجية لنظامنا الاقتصادي الذي نريده.

ج. إفراغ العمل السياسي والحزبي من مضمونيهما.

ومن هذه الأسباب الثلاثة تتناسل أخرى فرعية وتفصيلية ليس ههنا المقام المناسب لها.

إن غاية ما يجري الآن هو البحث عن آلية حكومية تكون أكثر نجاعة لتحقيق نسبة النمو وليس التنمية استجابة لإملاءات المانحين والقارضين ليس إلا. فتحقيق نسبة النمو وخلق بعض مناصب الشغل التي بواسطتها يتم تحقيق النمو، سواء عن طريق التوظيف بالتعاقد كما هو حاصل الآن أو تحت صيغة من صيغ التعاقد الترابي الجهوي في كل القطاعات الاجتماعية، مع تقليص وتجميد كتلة الأجور وضرب المطالب النقابية بالقانون المفروض والمرفوض من طرف الشغيلة، هذه عناصر النموذج المرتقب.

أما التنمية الحقيقية فلها أسئلتها الحارقة نجملها في السيادة الشعبية وتوزيع الثروة والفصل بين السلط، وتطليق المال للسلطة، وربط المسؤولية بالاستحقاق والمحاسبة، وهو أمر من قبيل حلم وردي عصي لكنه ممكن.

محمد العربي هروشي