إن العامل المشترك بين مظاهرات العراق ولبنان والأردن والجزائر ومصر هو الفساد، وليس أي فساد، بل فساد جعل موائد الشعوب فارغة إلا من بعض الخبز، وتغيير الحكومات لا طائل منه، فالحكومات ليس بيدها عصا سحرية، تضع الثريد على الموائد، وهو تراكمي منذ عقود، وما لم يأت قائد قوي يعيد الى خزائن الدول ما سلب منها، فلن يجدِ تغيير الحكومات أي نفع. والمشكلة هي أن الفاسدين معروفون، ولكن لا أحد يجرؤ على مواجهتهم، فكل رجل منهم محاط بحاشية محسوب عليها وتستفيد منه، وتدافع عنه في أية محاسبة مما يجعل أصحاب القرار يحجمون عن جلبهم الى العدالة وانتزاع المال المنهوب منهم. فالفاسدون لا يفتقرون الى أساليب التخلص من الإصلاحيين الجادين إما باغتيال الشخصية وتلفيق الاتهامات والشائعات أو بالتصفية الجسدية، أي أنهم عصابات ذات سطوة ويد طائلة، وما تغيير الحكومات إلا محاولات عشوائية تعتمد على الصدفة، فربما يجيء شخص قيادي مثل مهاتير محمد ويزج بالفاسدين جميعهم بالسجن ويسترد المال العام.

نجحت كثير من الدول في وضع آليات لمراقبة صرف المال العام ورصد حالات الفساد بسهولة والتعامل معها بحزم ما عدا الدول العربية والأفريقية ودول جنوب شرق آسيا وبعض دول أميركا الجنوبية، لذا فإن الفقر منتشر فيها وتخرج منها موجات المهاجرين ويكثر فيها التهريب والجرائم. وبصفة عامة، تتقارب السمات الشخصية لهذه الشعوب، فهم ضعاف البنية والشخصية وليس لديهم الاعتزاز الذي نراه عند الأوروبي أو الأميركي، اي أنه يذعن بسهولة للمسؤولين، كما أنه ينقاد لإرادة الدول القوية ويسمح بتدخلها في الشؤون الداخلية للدولة.

المعنى المقصود من هذه المقدمة هو أن الخلل في الدول العربية يكمن في الشخصية، فما الفائدة من وجود رئيس وزراء متعلم تعليما عاليا وصاحب خبرات متعددة ولكنه لا يجرؤ على تطبيق القانون على الجميع؟ لقد رأينا ترامب في اليومين الماضيين كيف سيق كالنعجة الى استجواب الكونغرس بتهمة الفساد واستغلال المنصب، لمجرد أنه طلب تدخل دول أجنبية في قضية أميركية داخلية لكي يتخلص من خصمه جو بايدن، وأغلب الظن أنه سيعزل، لأن ما فعله مخالفة واضحة للدستور الأميركي، ويخاف أصحاب القرار أنهم إذا لم يعزلوه فسوف تكون سابقة تشجع الرؤساء القادمون على ارتكاب مثل هذا العمل، والكونغرس الأميركي جميعه يضم شخصيات قوية لا تتهاون بالمصلحة العامة، ولا يمكن أن يغضوا الطرف عن مثل هذا السلوك من جانب ترامب.

أين نحن من كل هذا؟ لا يوجد لدينا شخصيات قوية كما لديهم، لأنه لا يوجد حماية مؤسسية للشخص الذي يتمسك بالقانون ويطبقه على الجميع، فهو في النهاية إنسان ولديه عائلة ويخشى على نفسه وعائلته، أما لدى الدول المتحضرة والقوية، فلا يوجد مثل هذه المخاوف، لأن المسؤول يطبق القانون على الجميع وتقوم مؤسسات الدولة بحمايته، كي لا تخرج الأمور عن السيطرة وتعم الفوضى وينهار ما بنته تلك الشعوب في لحظة. ترى كم من الوقت نحتاج حتى نصل الى تلك المرحلة؟

سهى الجندي