هل تستطيع النخبة السياسية الحالية أن ترقى لمستوى تطلعات الشعب المغربي مستقبلا في أوج وهيمنة الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الجارفة، والتي جعلت الإعلام الاجتماعي الحر عبر جل منصات التواصل الاجتماعي في متناول الكثيرين سواء من مثقفين ومفكرين ومحللين سياسيين وخبراء وعموم الرواد ، لإبداء آرائهم حول حالة المنظومة السياسية الحالية بكل مكوناتها من أحزاب سياسية وأغلبية ومعارضة وبمجلسي البرلمان بغرفتيه الأولى والثانية ، وما يمكن أن نستشفه من كذا تعليقات وآراء وخرجات إعلامية وحوارات.. بأن السياسة عندنا تعيش خريفها العاصف والبارد في ظل التراجعات الكثيرة لدور الأحزاب وانشغالاتها اليومية بالانتخابات المقبلة وغلبة الأصوات والمحطات القادمة، على التفكير الجاد والعقلاني في الاقتراب من نبض الشارع المغربي الذي يمثل شبابه وشاباته حصة الأسد ، والذين لا يهتمون باللغط واللغو السياسيين أكثر مما يهتمون بمن ستكون بيده عصا موسى لفك شفرة عالم الشغل و التشغيل وامتصاص البطالة ، ومعالجة الملفات الصعبة المراس وعلى رأسها التعليم والصحة.. والعمل على رفع شعارات عملية لإصلاحهما بشكل بنيوي وجدري ما دام المواطن والمواطنة في حاجة إليهما كشيء ضروري في الحياة ، كالماء والأوكسجين والطعام وفي غياب هذه الضروريات يتعرض جسم الإنسان لعدد مهلكات آخرها الموت..

الدكتور والسوسيولوجي المغربي إدريس بنسعيد يقول في حواره لمجلة زمان" أكثر شيء يهدد المغرب هو الفراغ السياسي " ذاك أحد علماء الاجتماع المغرب الذي عرفناه خلال ثمانينات القرن الماضي إلى جانب مفكرين مغاربة كبار، كعابد الجابر ومحمد جسوس ومحمد الوقيدي وفاطمة المرنيسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، لما كان في أوج عطائه قد اكتسب من الحنكة والخبرة والبحث العلمي ما يجعله لا يتكلم على هواه بل لا بد أنه ينطلق من معطيات وأسس علمية ومقاربة عقلانية للأشياء لكي يحلل ويقارن ويستنتج، الاستنتاج الحقيقي ويدق لنا بعدها ناقوس الخطر وهو المفكر الذي ينتمي للفئة المتنورة مما أنتجته المدرسة العمومية المغربية في عصرها الذهبي، و التي تبقى آراؤها بعيدة كل البعد عن أية شبهة أو تضليل أو محاباة ، وهو الذي يخوض في انشغالات المجتمع المغربي المعاصر في شتى ميادينه الثقافية والاجتماعية- القيمية والسياسية، وخاصة فيما يرتبط بالدين والسياسة والشباب والحجاب والخصوبة والثقافة وغيرها من المواضيع القريبة من واقعنا الاجتماعي المعاصر، والتي ما زالت ترخي بظلالها على توجهاتنا الحضارية والإنسانية كشعب يبحث له عن موضع قدم إلى جانب الدول الناعمة.

بالأمس قال عبد الله العروي هو الآخر" النخبة الحاكمة في المغرب "جاهلة" وأقل وطنية من التي سبقتها

واليوم قال إدريس بنسعيد: " أكثر شيء يهدد المغرب هو الفراغ السياسي " لذلك نستنتج بأن البديل المنتظر غير موجود أصلا كما سبق للإعلامي نور الدين مفتاح مدير النشر والتحرير بصحيفة الأيام،الذي تمت استضافته بقناة télé -marocوكان القصد في معنى إحدى إجاباته بأن جل القطاعات اليوم بالمغرب تعاني سواء من ثقافة أوإعلام ومسرح وفن وغيره، وذلك في غياب التعليم الجيد الذي ما فتيء يفرز لنا نخبا وطاقات في المستوى المطلوب سواء في السياسة أوفي الإعلام أو الثقافة و غيرها..

فبالأمس كانت المدرسة العمومية تواكب الشارع، وأما التلميذ والطالب فيتم تأطيرهما بتعاون ما بين المدرسة والأسرة والمجتمع عبر مؤسساته ويتبنى أفكارا ويصبح له رصيده الشخصي وطريقته في الحوار، وإبداء الرأي وينخرط في الأحزاب اليسارية والتقدمية في بداية مشواره الدراسي. وبذلك يكون في الأخير قيمة مضافة لمجتمعه ولوطنه ككل لما ينهي دراسته الجامعية، عكس ما نراه وما نلمسه في نخبتنا السياسية الحالية التي نراها فقيرة بل جائعة في هذا المجال لأن من يمثلها في المؤسسات السياسية والتشريعية لا يرقى للمستوى المطلوب والدليل هو ما طلبه بالفعل عاهل البلاد الملك محمد السادس نصره الله مؤخرا من رئيس الحكومة بالبحث عن كفاءات لكن فاقد الشيء لا يعطيه .. ولذلك كله؛ ها هنا نطرح جملة من الأسئلة نراها معلقة إلى بعد حين :

هل بدأنا فعلا في مائة متر الأخيرة بسباقنا المحموم حول الحقائب الوزارية، والمهم منها والاستراتيجي والاجتماعي في الحكومة المرتقبة كأحزاب للأغلبية وعيننا على الانتخابات الوشيكة المقبلة ؟؟

وهل هذا السباق المراطوني كله من أجل تخليق الحياة العامة والقضاء مع ممارسات قديمة تشوب المنظومة السياسية ككل ودخولنا بداية الجد والاجتهاد عبر مخطط استعجالي لموسم سياسي جديد ؟؟

وهل بالفعل لدى أحزاب الأغلبية اليوم تلك الكفاءات والخبراء الذين يخلقون الثروة ويحاربون كل أشكال الفساد والريع بشتى أصنافه وأنواعه منه النقابي والسياسي والاقتصادي في ظرف وجيز لما تبقى من عمر هذه الحكومة في انتظار الانتخابات التشريعية القادمة لسنة 2020/2021؟؟

وهل منصب وزير أو وزيرة عندنا كما هو في العالم الحر والديمقراطي مسؤولية جسيمة وثقيلة لما ينتظر كل مسؤول حكومي من متابعة ومحاسبة قد تقتل او تحيي مستقبله ومستقبل حزبه السياسي؟؟

وهل الوزير عندنا ما زال ذلك المنصب السياسي الذي يعطي صلاحيات كثيرة في قطاعاته ومكانة اجتماعية راقية يحلم بها كل سياسي بهذا الوطن من اجل التزاوج بين عالمي السياسة والمال؟؟

وهل المغرب الآن يعيش في زمانه ضائقة اقتصادية وأزمة سياسية ظاهرة وفراغا سياسيا قاتلا يجعل الأفق ينبيء بضرورة ترتيب البيت قبل استفحال الأمور أكثر؟؟

وهل...؟؟ وهل...؟؟ وهل....؟؟



عبد الرحيم هريوى