-1-

في كل دخول مدرسي، تبدأ الأسئلة الحارة تطرح نفسها بقوة على الآباء، ولربما على بعض السياسيين المخلصين لقيم المواطنة أيضا، ليس فقط عن برامج التعليم ومناهجه، وعن الكتاب المدرسي وأسعاره، ولا عن تكوين المعلمين وتجهيز المدارس، ولا عن الأزمات التي تعاني منها المدرسة المغربية في الزمن الراهن وهي ضخمة وكنيرة، ولكن عن الصورة التي يكونها التعليم عن نفسه وعن الأجيال الصاعدة التي يعلق عليها الشعب المغربي آماله في الإنقاذ والخروج من حالة التخلف والفساد والتهميش والفقر التي يعاني منها، وهو في قلب الألفية الثالثة.

نعم، كلنا يعلم بلا تحفظ أننا دولة متأخرة عن الركب العالمي، تعليمنا ما زال يتأرجح بين بين، وكلنا نعلم أن بقاء المغرب على قيد الحياة يتطلب منا أن نمنح طفولة اليوم ما يلزمها من تربية وتعليم واهتمام وتعضيد وثقافة وتكوين لتقوم بما ينتظر منها من إنقاذ ومن عمل وبناء.

طفلنا اليوم يعني اللبنة الأساسية للأجيال المقبلة، عليه تقوم الأسرة والحزب والمنظمة والتغيير والتنمية.. نموه وتعليمه وتكوينه يعني الخطوة الأولى لبناء أجيال جديدة، إنه يمثل الثروة الوطنية، الفكرية، العلمية، الحضارية، ويشكل رهانها الأهم والأكبر.

من هنا، وأمام وضعية مدرستنا، وضعية تعليمنا، وضعية الرهانات والصراعات حولها، تبدأ الأسئلة تطرح نفسها بقوة، دون أن تجد لها جوابا شافيا، لا عن المدرسة والتعليم، ولا عن المستقبل المخيف الذي ينتظر الطفولة وأجيالنا المقبلة.

-2-

الشعوب المتقدمة تنبهت مبكرا إلى هذا الموضوع، موضوع المدرسة وتكوين الأجيال الصاعدة، فتجاوزت تعليم الطفل وتكوينه بالمناهج التقليدية، واعتمدت على مناهج ثقافية، باعتبارها الطريق السليم لبناء أجيال سليمة متكئة على الثقافة والوعي والإبداع، وأدركت أن الأجيال الصاعدة في حاجة ماسة إلى التنمية التفافية، على اعتبار أن ثقافة الطفل هي أكثر إلحاحا، وأكثر أهمية لانخراطه في مجتمع الألفية الثالثة.

لذلك، فإن دعم ثقافة الطفل وإعطاءها الأولوية في مناهج المدرسة الحديثة لم يعد موقع نقاش في الدول المتقدمة، وهو ما يعني أن الدولة الواعية أصبحت مدركة لأهمية تكوين ثقافة مستقبلية لطفولتها، للحفاظ على مكانتها في عصر الألفية الثالثة.

المدرسة في الدول الراقية/المتقدمة تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل التي يمر منها الإنسان، لما لها من أثر عظيم في بناء شخصيته جسديا وفكريا واجتماعيا؛ لأنها المرحلة التي تتشكل فيها مهاراته وقيمه وأفكاره وقناعاته.

الأكاديميات التربوية والعلمية في هذه الدول أصبحت تبحث في المشاريع والمناهج التي تنمي مكانة المواطن المستقبلي / الطفل بتعزيز ثقافته ومعارفه وخياله وسلوكياته وعاداته الاجتماعية وقيمه الأدبية والإبداعية والأخلاقية، باعتبارها القاعدة الصلبة التي تقوم عليها شخصيته المستقبلية.

لذلك، نجد اليوم العناية بثقافة الطفل في نظر علماء التربية مسألة تربوية في المقام الأول، وهو ما يجعلها كالماء والهواء والغداء بالنسبة لأطفال عصرنا الراهن، لا يمكن الحياة ولا التقدم دونها.

-3-

مع الأسف الشديد، نتطرق لهذا الموضوع في بداية الدخول المدرسي الجديد، وكلنا يعلم أن تعليمنا قطع أشواطا بعيدة في الإفلاس والانهيار، بعدما فقدت مدارسنا الحكومية والخاصة الكثير من القيم والمثل الأصيلة لمهنة التعليم، وهو ما يعني الفشل الذريع الذي حصدته مؤسساته في عملية بناء عقلية حديثة ومنظمة في مستوى العصر الذي نعيشه، والذي يتطلب منا إعداد أجيال جديدة في مستواه العلمي، التكنولوجي، الإبداعي، قادرة على إخراج المغرب من مرحلته الرهيبة المغرقة في الفقر والفساد والتخلف.

نعم، إن قطار تعليمنا لم يعتر على سكته، فأصبح لا يعاني فقط من العجز والفوضى والفساد؛ بل تجاوز ذلك إلى عجزه في تكوين الأطر التي تهيئ الأجيال الصاعدة نفسيا وفكريا، لتكون فاعلة، قادرة على السير.

مدارسنا لا تتوفر على مكتبات للأطفال، مناهجها لا تتوفر على درس القراءة، لا تتوفر على خبراء في التربية لتشكيل شخصية الطفل ووعيه بذاته ومجتمعه، وتزويده بالخبرات والمعارف، وتنمية حسه الإبداعي وعقله المفكر، لتهيئته ليكون فاعلا في الجيل المقبل.

من أجل الخروج من حالة التخلف القصوى، كان لا بد لنا من البدء بتغيير وجه طفولتنا، كان لا بد لنا من رعاية طفولة اليوم، لتكون جاهزة غدا للإنقاذ، كان لا بد من رعايتها بتعليم جاد وثقافة جادة، ووضع أسس جديدة في مستوى العصر الحديث، لبرامجنا الدراسية ومناهجنا التربوية، ولكن حكوماتنا المتعاقبة عفا الله عنها تتجاهل بقوة هذا الموضوع، لربما لأنها لا ترى الوقت مناسبا لخروج المغرب من حالة التخلف على يد جيل جديد.. وهي ربما تدري ما لا ندري.

أفلا تنظرون؟

 

محمد أديب السلاوي