المشهد العام


دأبت معظم الجرائد المغربية، إلى جانب المواقع الإلكترونية واليوتوب خاصة، على تسويد صفحاتها بالأخبار عن حوادث العنف والجريمة التي تهتز لها الساكنة سواء في الحواضر أو القرى. وتكاد المدن أو أحزمتها المكتظة بالسكان تستأثر بهذه الحوادث شبه يومية، إلى جانب المناطق والأمكنة التي لا تغطيها وسائل التواصل الاجتماعي.. أو تعميم أنباء عن وقوع أعمال جنحية بها.

وفي مقاربتنا لهذا الواقع المشحون بالقلق الاجتماعي، تنصرف أنظارنا توا إلى أرقام مرعبة؛ كشفت عنها عديد من الدراسات والأبحاث السوسيو اقتصادية، بما فيها التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط 2014، تخص الواقع الاقتصادي الهش لشريحة من الأسر المغربية، تنيف نسبتها عن % 67 من عموم الساكنة المغربية.

وبالرغم من المساعي الحثيثة التي ما فتئت السلطات المغربية تبذلها في اتجاه الحد من هذه الظاهرة تظل مقاربتها في هذه المساعي مقاربة أمنية بحتة، مرتبطة بحملات ظرفية محتشمة من حين إلى آخر. فأين تكمن علة ازدياد أعداد هذه العصابات؟ وهل لها مواطن قارة؟ وما موقعها من خارطة الهشاشة والفقر في المغرب؟ ما هي أساليبها في اقتراف جرائمها؟ ما دور المعتقلات والسجون إزاء نزلائها؟ وأخيرا اقتراح ورقة عمل.

العيش بأقل من 10 دراهم في اليوم ماذا يعني؟!

هناك أرقام صادمة تستلزم التوقف عندها مليا: ماذا يعني وجود % 85 من المغاربة في القرى يعيشون بأقل من 10 دراهم في اليوم؟! هذا يكشف بوضوح عن الدواعي من وراء تنامي أرقام الهجرة القروية، وتكدسها بأحزمة المدن والحواضر الكبرى ومدن الصفيح؛ وهو ما ساهم بدرجة عالية في تشويه التصاميم الحضرية والمدن المغربية بصفة عامة .. وتحويل أزقتها وشوارعها إلى فضاءات خانقة، عسيرة المرور، فضلا عن ارتفاع نسبة التلوث الهوائي.. وهدير ضجيج السيارات والعربات والدراجات.. والمارة، والباعة المتجولين (الفراشة). وهكذا، تحولت المدينة إلى مصدر لعدة أمراض؛ كارتفاع الضغط الدموي، والتوتر العصبي الحاد، وضيق التنفس، ومرض السكري، وضعف البصر... إلى جانب الأمراض النفسية كالعنف المادي منه والمعنوي... ويأتي هذا الوضع بموازاة مع قضايا وأزمات اجتماعية جد معقدة؛ كارتفاع نسب الطلاق، وتنامي نسب الجريمة الأولية والمنظمة، وجنوح الأحداث، وتفاقم أوضاع البطالة، وانتشار بؤر الدعارة بمختلف مظاهرها.

الجريمة المنظمة

مع ازدياد حجم الهشاشة والفقر، واكتساحه المدن الكبرى؛ بفعل عامل الهجرة، عظمت نسب وقوع الجريمة، واكتسبت هذه الأخيرة منحى تطور آخر.. ظهرت منذ ما ينيف عن عقد من الزمن في شكل اعتداءات فردية استهدفت عينة من المواطنين، في أمكنة نائية أو في جنح الظلام... لكنها سرعان ما تطورت في أساليبها بالتصدي لأهدافها، عبر ترصد عن بعد؛ كالسطو على المنازل، والأكشاك، أو تمويه أصحاب السيارات، مستعينين أحيانا بمختصين في فك الأقفال، وتهشيم الواجهات التجارية.. وقد يتكون أفراد هذه العصابات المختصة في الإجرام الأولي من 3 إلى 5 أفراد يافعين تتراوح أعمارهم من 19 إلى 23 سنة. بيد أن هناك إجراما أشد ضراوة من الأولي، غالبا ما يستهدف المواطنين في تنقلاتهم.. فيتم سلبهم وتجريدهم من جميع أمتعتهم تحت ظلال السيوف والمديات والقذف بهم إلى قارعة الطريق جرحى أو مضرجين بدمائهم .. !

وفي كل عملياتهم الإجرامية، يكون أفراد العصابة خاضعين لتأثير مخدر ما، بحيث تنتفي عنهم؛ ولو للحظات المواجهة؛ مشاعر العواطف، حتى ولو كان بصدد الفتك بأبيه أو أمه !

على أن هذه الجريمة تطورت في الآونة الأخيرة، لترقى إلى الجريمة المنظمة التي تستهدف عادة المؤسسات المصرفية والحافلات والمتاجر الكبرى ودور الإقامة الراقية، وأحيانا ناقلات الأموال. هذا ودون أن نغفل عن إجرام "انتقامي" أو "سياسي"؛ على شاكلة الخلايا الإجرامية التي تشتغل بأجندة جهات أجنبية، عادة ما تروم من وراء عملياتها زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد أو إرهاب الدولة بمختلف أشكال التحايل وألوان العنف، تصطاد في تنفيذ أعمالها الإرهابية جانحين بسوابق قضائية عديدة، فتمدهم بالأسلحة التقليدية أو أحيانا الأوتوماتيكية، وبإغراءات وهمية !

المعتقلات والسجون .. وتفريخ الإجرام

التفكير الإجرامي، في المغرب، أصبح واعيا ببنود حقوق الإنسان، ويستغلها استغلالا بشعا، كغض طرف السلطات وكفها عن التعنيف المادي والمعنوي، سواء أثناء جلسات التحقيق أو الاحتفاظ به رهن الاعتقال، فضلا عن السماح للسجين أو المعتقل بممارسة كافة حقوقه في الاتصال واللقاء والاختلاء والترفيه، والإقلاع عن إجباره على القيام بأي عمل شاق رادع. هذا إلى جانب امتيازات عائلية.

هذا السجين، في غمرة هذا النعيم، تصل به قناعته إلى أن السجن أفضل من مسكنه العائلي.. فيزداد تغولا.. وارتكابا لأعمال العنف، ولو داخل السجن.. وكثير منهم؛ بعد أن شملتهم لائحة العفو؛ لم يمر عليهم سوى زمن يسير حتى عادوا إلى زنازنهم... !نظرا للامتيازات التي صار يتمتع بها هناك، لم يحلم بها حتى مع أهله !.. وهكذا يتم التجاوز عن مهمة السجن من مؤسسة مكلفة بإعادة التربية وأنسنة سلوك الجانح إلى مأوى للإمعان في الإجرام وعملياته.

دور الحكومة إزاء تصاعد أرقام الحوادث الإجرامية

"حقوق الإنسان"، كما كشفت عنه عديد من الدراسات الأكاديمية، والتقارير الدولية لا يمكن بحال منحها بماركة واحدة لجميع أفراد الشعوب.. فهي تمنح لكل إنسان مع استثناءات... غالبا ما يستحضرها المشرع، منها ثقافة الجاني، وسوابقه القضائية.. فهناك من يستحق هذه الحقوق، تجاه هفوة صدرت منه كمنحه لشيك بدون رصيد .. أو عنف طفيف إزاء الزوجة، في لحظة غضب ما، أو ... لكن لا يمكن منحها لمن يضيق ملفه بالسوابق والقضايا الجنحية !

اقتراح ورقة عمل

فيما يلي ورقة عمل باقتراح مداخل للحد من هذه الآفة، "آفة الإجرام"، وما ينجم عنها أحيانا من تعطيل عجلة الاقتصاد، وتوطين الرعب في نفوس المواطنين:

* الشروع عاجلا في إعادة تأهيل القرى، وتجريب مشاريع ذات الرساميل الصغيرة؛

* إنشاء مؤسسات تتكفل بنشر الوعي العام في أوساط النساء القرويات، وخلق تعاونيات صغيرة مدرة للأرباح بينهن؛

* منح أسعار تفضيلية لفائدة الساكنة القروية، خاصة البنزين، واقتناء البقع الأرضية، والسماد؛

* تسطير برامج تنموية بعيدة المدى لصالح القرى، وتضمينها امتيازات، تساهم؛ بطريقة أو أخرى؛ في إحداث الهجرة الحضرية؛

* تخفيض نسب الضرائب العامة بالنسبة للساكنة القروية، تشجيعا لها على الاستقرار لا الترحال؛

* تنظيم مهرجانات محلية، في القرى، تشمل جميع أوجه النشاط القروي.. ثقافية، اقتصادية، ترفيهية ..؛

* العمل على ترحيل الجاني؛ ذي السوابق العدلية؛ إلى معتقل بعيدا عن وسطه الأسروي، للحد من ظاهرة "القفة" اليومية، وتداعياتها ؛

* تسريع وتيرة توظيف حاملي الشواهد المعطلين ؛

* إعادة تجهيز المؤسسات التعليمية والصحية، في القرى والبوادي، وإمدادها بوسائل العمل والاستقرار 

 

عبد اللطيف مجدوب