لا شك في أن جون بولتون، المستشار الأمريكي السابق للأمن القومي، كان ينهج سياسة اندفاعية في محاولة حل النزاعات الدولية ويتجه مرارا إلى الخيار العسكري عوض فتح مفاوضات دبلوماسية؛ لكن إقالته من طرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تبرئ ذمة هذا الأخير من عرقلته للنظام متعدد الأطراف Multilateral System الذي يحرص المجتمع الدولي على تفعيله وتطويره.

لقد أدرك الرئيس ترامب فشل أدائه السياسي وتعاطيه الاعتباطي مع الملفات الدولية، كما أن الاقتصاد الأمريكي عرف ركودا ملحوظا خلال ولاية دونالد ترامب بسبب الخوض في حرب تجارية حادّة مع الصين التي تعد ثاني قوة اقتصادية في العالم إضافة إلى انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من عدة اتفاقيات دولية.

ومن ثمَّ، يحاول الرئيس الأمريكي استدراك هفواته السابقة وضمان ولاية ثانية في الانتخابات المقبلة، من خلال بلورة منهجية جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية تعتمد بالأساس على فتح حوار وبسط الطريق أمام المفاوضات لفك النزاع. ولم يكن لجون بولتون القابلية للتكيف مع التقلبات السياسية للرئيس ترامب، فظل رافضا لتقديم تنازلات مجانية لأطراف النزاع ومتشبثا بسياسة فرض القرار الأمريكي على الرأي العام الدولي؛ وهو ما بات مستحيلا أمام تطوّر المجتمع الدولي وبروز قوى جديدة قد تغير بنية السياسة الدولية.

إن الرئيس ترامب، بتحركاته الدبلوماسية الأخيرة، يحاول أن يثبت للشعب الأمريكي أنه رجل مفاوضات وأنه يسعى إلى خدمة المصلحة الاقتصادية والإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، فهو يحاول إخفاء فشل إدارته بإحداث "بروباغاندات" إعلامية عندما يزعم بسط يده للحوار مع خصومة أو خلال زياراته الدبلوماسية التي قد لا تخلص إلى نتائج فعلية.

إن وقف الحرب مع إيران أو دعوة قادة حركة الطالبان إلى منتجع كامب ديفيد للتوقيع على اتفاقية السلام لا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية غيّرت موقفها تجاه هاته الأطراف؛ بل هي وقفة لمراجعة إستراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية والتمهيد لمناورات تخدم دائما المصلحة الأمريكية. وهنا، نستحضر مقولة هنري كيسنجر الشهيرة: "ليس لأمريكا أصدقاء أو أعداء دائمون، لأمريكا مصالح فقط".

أما بشأن نزاع منطقة الصحراء بالمغرب، فتأثير سياسة جون بولتون لم يكن ضئيلا بحال، حيث كان وراء تقليص ولاية بعثة المينورسو في المنطقة المتنازع عنها من سنة إلى ستة أشهر، كما هدّد بوقف مساهمة الولايات المتحدة للبعثة الأممية في الأقاليم الصحراوية؛ لكن الموقف الرسمي المغربي له من الخبرة الدبلوماسية ما يكفي لكي يبقى في موقف حياد تجاه إقالة جون بولتون، فالمغرب لا يبحث عن مؤيدين لمغربية صحرائه ولا ينبغي له ذلك لأن قضية الصحراء لا ترتبط بأشخاص أو تيارات، بل هي قضية وطنية تحتاج إلى إرادة قوية ترهن مسار الانتقال الديمقراطي في المغرب. كما أن إبقاء العلاقات مستقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية يخدم جزءا من مصلحة الأمن الدولي، فالمغرب يشكل آخر حاجز أمني في المنطقة المغاربية، فضلا عن الخبرة الأمنية التي يكتسبها المغرب والتي تمكنه من حفظ الحماية الشاملة لمنطقة الصحراء.

إيمان البركة