هل الإجهاض ينصف المرأة؟ هذا سؤال علينا طرحه، بصدد النقاش الدائر حول الموضوع، قبولا ورفضا. ماذا ستستفيد المرأة، تحديدا، من رفع كل أشكال الحظر والتحفظ عن الإجهاض، واعتباره حرية شخصية بإطلاق تهم الأفراد المعنيين به، ولا تهم أحدا غيرهم، ما يعني الدفع في اتجاه إعادة النظر في الحالات المعينة، التي يجرم فيها القانون عملية الإجهاض؟ فإلى أي حد يمكن أن تستفيد المرأة من هكذا قانون، بهذه الصفة الإطلاقية، التي تميل إليها بعض الآراء؟.

نعم للحرية الفردية، من حيث المبدأ، ولكن الحرية اختيار واع، وسلوك مسؤول، يضمن مصالح الجميع، الرجال كما النساء، وفي موضوع الإجهاض، على إطلاقه، يبدو أن المرأة هي التي تؤدي، وستؤدي كل الثمن، وتتحمل كل التبعات، من البداية حتى النهاية؛ فالمرأة هي التي تحمل الجنين، وتكابد آلام وتقلبات الحمل، وربما أيضا مصاريف التطبيب والاستشفاء.. المرأة أيضا هي التي تواجه نظرات واتهامات وتلصصات المجتمع، وإحراج العائلة والأقارب، في وسط محافظ.. والمرأة هي التي تتحمل آلام ومخاطر عملية الإجهاض، التي قد تودي بحياتها، في حين يبقى الرجل (الفحل) بعيدا عن كل هذا، فقد أشبع رغبته، وقضى وطره من واحدة، وتركها لمصيرها، لينتقل إلى أخرى، وقصة أخرى، وضحية أخرى جديدة.

سيكون مفيدا، في تقديري، وفي غمرة مناقشة هذا الموضوع، طرح كل الأسئلة الممكنة، ما دمنا نفكر ونحرص على مصلحة الجنسين معا، في أفق التفكير في المجتمع الحداثي الذي نبحث عنه.

أين تتجلى مصلحة المرأة في عملية الإجهاض بهذا المعنى الإطلاقي؟، بعيدا عن كل الردود العاطفية والمتسرعة، الدينية واللادينية، الفكرية والسياسية، أين المرأة في كل هذا؟، نعم، هذا جسدها، ومن حقها مبدئيا أن تفعل به ما تشاء...

ولكن هل الحمل، الذي يقود اختيارا أو ضرورة، إلى فعل الإجهاض، هو من فعل المرأة وحدها؟، وهل هناك امرأة تختار أن تتخلص من جنينها بعد أن يصبح جزءا منها، إذا لم تكن مضطرة لذلك، وبدافع ظروف لا تطيقها؟..

إلى أي حد يمكن اعتبار عملية الإجهاض اختيارا حرا للمرأة ؟، وحقا من حقوقها التي تأتيها راغبة وبكامل كرامتها وإرادتها؟، الأمر يحتاج إلى بحث هادئ حول الإجهاض بين الاختيار والضرورة.

إن الكثير من النساء إنما تلجأن إلى الإجهاض بحثا عن حل، ورغبة في مخرج هو الأخير بالنسبة إليهن، في أغلب الأحيان، بعد تخلي الرجال (الفحول) عنهن، وتركهن لمصيرهن، حيث يلفظهن الجميع، نعم الجميع.

لست أدري إن كنا نستطيع تصور هذا الموقف المهول للمرأة وهي تواجه الجميع، ببطنها المنتفخة، ماذا عساها تقول؟ ومن أين ستبدأ؟

هذا من جهة المرأة، أما من جهة الجنين، فلست أدري لماذا لا يتم التفكير فيه هو الآخر، فالأمر يتعلق بكائن بشري له كامل الحقوق في الحياة، بعد أن يستوي بشرا حيا، فبأي حق سنقوم بإعدامه، نحن الذين نناضل من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في حق المجرمين، وكيف يحق لنا إجهاض جنين (إنسان) وحرمانه من حقه في الحياة؟

كلها أسئلة وغيرها كثير، علينا طرحها، حتى يفتح الموضوع على كل تفاصيله، ونتمكن من بلورة رأي، ثم قانون يضمن مصلحة وكرامة الجميع.

كيف يتصور وجود علاقة رضائية، ينجم عنها حمل مفاجئ، تتحمل المرأة كامل تبعاته، بعد انسلال الرجل، ثم يكون الحل هو قتل جنينها والتخلص منه، لست أدري ما علاقة هذا الموقف بالحديث عن الحرية والحقوق، بالمعنى العميق للكلمة.

إن المرأة حين تحمل جنينا إثر علاقة مع رجل، ليس الحل هو دفعها، اختيارا أو اضطرارا، إلى إجهاض جنينها (ابنها)، وحرمانها منه بقتله؛ وإنما يكون الحل ـ في تقديري ـ هو، العناية بهذه الأم، والقيام برعايتها وتتبع حالتها حتى تضع مولودها في ظروف جيدة وعادية، ثم البحث عن هذا الأب الفحل، في حالة تملصه من مسؤوليته، وإلحاق هذا المولود به، فهو أبوه بداهة، ثم التوافق بعدها عن حل يضمن حقوق وكرامة الأطراف الثلاثة، الأم والأب والمولود.

إن التمتع بالحقوق واجب ومطلوب؛ ولكن الأصل في الحقوق أنها حقوق، تضمن مصالح الجميع، وبالتساوي.

 

إبراهيم أقنسوس