سوريا دولة مخترقة. لم تبق جماعة إرهابية إلا وكان لها حضور في ذلك البلد المنكوب. العالم كله كان ممثلا في حربها التي لم تنته بعد. هل تريد أن تعرف شيئا عن المال الذي ينفق من غير السؤال عن طريقة إنفاقه؟ عليك أن تذهب إلى سوريا. لقد أهدرت هناك مليارات الدولارات من أجل لا شيء.

ذلك اللا شيء هو بديل نظام الرئيس بشار الأسد.

بعد ثمان سنوات لم يسقط نظام الأسد غير أن سوريا سقطت. بأي معنى؟  

بعد أكثر من ثمان سنين من الحرب انتهت سوريا إلى أن تكون رهينة لاتفاقات الآخرين على أرضها من غير أن تكون طرفا في أي اتفاق. وهنا لا يختلف وضع النظام عن وضع معارضته. فهما الاثنان وُضعا على الرف منذ أن صارا أضعف الأطراف في حرب، تعددت وتنوعت خططها وأهدافها حسب القوى المشاركة فيها.

لم يعد توزيع تلك القوى بين النظام ومعارضته مقنعا لأحد بعد إزاحة الاثنين من المعادلة التي تعرضت للتعديل غير مرة. على سبيل المثال فإن روسيا وإيران تدافعان اليوم عن أسباب وجودهما أكثر من دفاعهما عن أسباب بقاء النظام السوري في المقابل فإن تركيا لم تعد معنية بمستقبل المعارضة التي سبق لها وأن تبنتها بقدر ما يعنيها الدفاع عن حدودها ضد الأكراد. وتلك ذريعة مقنعة للتدخل بالنسبة لطرف مؤثر من المجتمع الدولي.

اما إسرائيل فإنها وحدها حكاية. غير أنها الحكاية الأكثر غموضا ووضوحا في الوقت نفسه بين كل الحكايات. من غير موافقتها لم يكن التدخل الروسي ممكنا، فهل يسري ذلك الحكم على التدخل الإيراني؟

علينا أن نصدق أن هناك تسويات بين دول غير صديقة تجري بطريقة غير مباشرة، يكون الهدف منها مشتركا بالنسبة لتلك الدول. وهو ما جرى بين إسرائيل وإيران. فإسرائيل التي وافقت على التدخل الإيراني في سوريا كانت تفكر بضرورة بقاء النظام هو الهدف الذي تدخلت من أجله إيران.

وبعد أن تحقق ذلك الهدف بفضل التدخل الروسي الذي لم يقف عند حدود حماية النظام من السقوط بل تعداها إلى القضاء الكامل على الجماعات والمنظمات الإرهابية التي كان يشكل وجودها خطرا على وحدة الأراضي السورية فإن إسرائيل قلبت صفحة التسوية مع إيران لتنتقل إلى صفحة السعي إلى التخلص من أي أثر للتدخل الإيراني. وهو ما يعني بالصراع داخل سوريا من مرحلة الحرب الاهلية إلى مرحلة الحرب الإقليمية.

كانت روسيا قد وهبت إيران صفة الراعي إلى جانب تركيا في عدد من الاجتماعات التي كان الغرض منها إيهام المجتمع الدولي بأن هناك مفاوضات تُجرى بين النظام السوري ومعارضيه. غير أن تلك المحاولة توقفت لأنها لم تعد ضرورية بالنسبة لروسيا بعد أن أسدل الستار على الحرب الأهلية وركن المجتمع الدولي إلى الاعتراف الضمني بحق روسيا في أن تحافظ على نفوذها ومصالحها في سوريا.

ذلك الاستقرار النسبي في المعادلة يمكن أن يشكل مشكلة حقيقية لطرفين هما الأكثر اهتماما بالمسألة السورية في سياق التفكير جغرافيا وسياسيا. وهو سياق يضع إسرائيل على كفة الميزان وروسيا على الكفة الأخرى.

ولأن روسيا تنظر بتقدير إلى الموقف الإسرائيلي المتعاطف مع تدخلها في سوريا فإنها لابد أن تنظر بقدر عال من التفهم إلى القلق الإسرائيلي الذي يتعلق بالوجود العسكري الإيراني على الأراضي السورية والذي لم يعد ضروريا بعد أن حُسمت الأمور لصالح النظام.

لذلك لم تعلق روسيا على الضربات الإسرائيلية التي وُجهت إلى قواعد حزب الله أو مخازن الأسلحة الإيرانية داخل الأراضي السورية بالرغم من أنها مسؤولة عن ضمان سلامة الأجواء السورية، بالرغم من أن سلاح الجو السوري لا يزال فاعلا نوعا ما.

إيران من جهتها لم تلق اللوم على الروس، بل أنها واجهت العديد من تلك الضربات بصمت مريب، قد يكون مؤشرا على معرفتها بأن دورها في سوريا قد انتهى ولم يعد الكلام مع روسيا يجدي نفعا.

في ظل تلك المعطيات يمكن القول إن تفاهما إسرائيلياً روسياً جديدا يمكن أن يعيد رسم الخرائط السياسية داخل الأراضي السورية بحيث يتم استبعاد إيران بشكل نهائي في ظل ضغوط أميركية لن تسمح لإيران بالمماطلة في مسألة خروجها من سوريا.    

روسيا صامتة وإسرائيل تضرب. في حين أن إيران لا تفكر بالرد، لأنها تعرف أن أي رد ستكون تكافته باهظة. وهو ما يجعلني متفائل من أن سوريا ستصحو ذات صباح لتجد أرضها نظيفة من أي أثر إيراني.  

فاروق يوسف