من المعلوم أن العديد من الآثار والكنوز ما زالت مطمورة تحت تراب كوكب الأرض في الشرق كما هو الحال في الغرب والشمال ثم الجنوب. وتقوم العديد من دول المعمورة بمجهودات جبارة لاستخراج هذه الكنوز والآثار العمرانية، من خلال الحفريات والاستكشافات المتعددة، للمساهمة في التعريف بحضارات القدامى من بني البشر والمساهمة أيضا في البحث العلمي؛ إلا أن قطار الحفريات والاستكشافات عندنا بالمغرب لم يصل إلى مدينة من مدنه الأثرية التي لا تزال مطمورة تحت تراب أرض تامسنا سابقا والشاوية حاليا، غير بعيد عن مدينة الكارة والتي ما زالت المنطقة التي تأوي هذه الأخيرة تحت ثراها تحمل الاسم نفسه الذي اختاره لها مؤسسوها، مدينة ماغوس التي كانت تعج بساكنتها من البرغواطيين الذين أسسوا إمارة امتد نفوذها من نهر أبي رقراق إلى نهر أم الربيع، وقد تجاوزته في بعض الأزمنة إلى تخوم بلاد عبدة وبحاضرتها مدينة آسفي.

وكان هذا الوجود البرغواطي بالمنطقة ما بين سنة 744 م و1058 م، ولا يزال سكانها المنتمون حاليا إلى المجموعة القبلية المذاكرة يدعون بأولاد صالح، وصالح هذا الذي ينتمى إليه ساكنة منطقة ماغوس التابعة ترابيا لجماعة الردادنة أولاد مالك قيادة أحلاف إقليم بنسليمان، هو صالح بن طريف المؤسس الفعلي لإمارة برغواطة.

نعم لقد تم اكتشاف هذا الموقع الأثري الضخم بالصدفة، وحسب أحد أساتذة الأركيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والذي قام بتصويرها من الجو عن طريق الأشعة تحت الحمراء، في إطار الأنشطة التي كانت تقوم بها مؤسسة تامسنا للدراسات والأبحاث حول الشاوية، هذه المؤسسة التي كانت ترمي إلى نفض الغبار عن تاريخ منطقة تامسنا وسبر أغوار مجالها والذي يعج بمآت المواقع الأثرية ...

نعم أبلغني هذا الأستاذ الجليل أنها مدينة ضخمة جدا، وكانت تضاهي مدينة فاس في تلك الحقبة ... لكن القيام بالحفريات بهذا الإرث المشترك للمغاربة قد وجد صعوبات جد كبيرة مع جهل الأسباب والحيثيات التي جعلت هذه العراقيل أمام فريق العمل الذي كان يتأهب للقيام بهذه المهمة النبيلة، فبالإضافة إلى أهمية الموقع كمعلمة حضارية قد تكون بها كنوز ومعالم وكتب ومخطوطات.... فإن المنطقة تعيش في ظل ظروف اجتماعية يلفها البؤس، فباستثناء الفلاحة والتي في غالبيتها فلاحة بورية ترتبط بما تجود به السماء من أمطار، ومع توالي سنوات الندرة المطرية فإن هذه الأخيرة لم تعد لها المردودية التي قد تغني مزاوليها عن القيام بأنشطة أخرى...

ولنتصور أن الحفريات أبانت لنا عن مدينة فعلية كما صورها لي أستاذ الأركيولوجيا، مدينة بمعالم حضارية وكنوز و....و.... فهلا يتطلب الأمر إيجاد بنيات تحتية لاستقبال زوار الموقع الأثري المحتمل، فنادق مطاعم مقاه، وطرق ووسائل للمواصلات.. وكم ستحتاج هذه البنيات من يد عاملة وأطر وتقنيين، ناهيك عن الرواج الاقتصادي الذي تتطلع إليه ساكنة المنطقة بلهفة شديدة نظرا للتهميش الذي ترزح تحت نيره منذ زمان ...

نعم إنه إرث مشترك للمغاربة قد يكون لاستكشافه أثر عظيم عليهم، وسيضيف إلى إرثهم الحضاري المعلوم بالرباط وفاس ومراكش وغيرها من المدن العتيقة إضافة نوعية؛ لأن هذه المدينة قد تجمع بين الفن المعماري المغربي الأصيل والفن المعماري الأندلسي، خاصة أن جزءا من البرغواطيين قد قدموا من منطقة بربط الأندلسية حسب بعض الباحثين الذين اهتموا بإمارة برغواطة، كالحسن بن محمد الوزان المشهور بليون الإفريقي، والدكتورين التونسيين الدكتور الطالبي والدكتور العبيدي....

هذه رسالة عبر هذا المنبر الإعلامي إلى المسؤولين بشأن الآثار ببلادنا للقيام بالتحريات اللازمة، وإذا ثبت بالفعل وجود هذه المعلمة الأثرية، فعليهم ألا يترددوا في الدفع بالمختصين ليسبروا أغوارها عن طريق الحفريات اللازمة... وإلى ذلك الحين فستظل مدينة ماغوس، مدينة تحت

الثرى؟!!

 

رحال عبوبي